من دون مقدمات، بل في شكل مباغت حتى، بدأ موسم المهرجانات السينمائية العربية يطرق الأبواب ويستقطب بعض الاهتمام في أوساط السينمائيين أنفسهم، وربما كذلك في أوساط بعض الجمهور أيضاً. والى هؤلاء يبدو بعض أهل التلفزة مستنفرين أيضاً للإهتمام بدورهم بنحو النصف دزينة وأكثر من المناسبات السينمائية المنتشرة في العديد من المدن العربية، سواء سمّيت باسم «مهرجان» الفضفاض أم كانت أكثر تواضعاً وواقعية فاستعملت اسم ملتقى أو مجرد عروض سينمائية لا أكثر. وللمناسبة نجدنا منساقين هنا الى التساؤل حول الشكل الذي يتخذه «الإستنفار التلفزيوني» لمواكبة الأحداث السينمائية الكبرى التي يعدنا بها بعض المهرجانات على الأقل، من عروض أولى لأفلام – ولو قليلة – حُققت خلال الشهور الفائتة، أو تكريمات معينة لمخضرمين، أو إصدارات للمناسبة يفترض بها ان تغني المكتبة السينمائية العربية. وينبع تساؤلنا من واقع اننا حتى اليوم، وعلى رغم الإنطلاقة الفعلية للمواسم المهرجانية، لم نلاحظ في اية محطة من المحطات التلفزيونية العربية وجود أي اهتمام من أي نوع كان بأية أفلام عربية مقبلة... لا سيما في تلك المحطات الكثيرة التي تعيش بفضل السينما وعرض أفلامها... ولئن كان ثمة من بين هذه المحطات من لا يزال «مصرّاً» على ان يخصّ السينما بساعة أو نصف ساعة في الأسبوع، فإن الغريب يكمن في ان هذه البرامج التي غالباً ما تُقدّم بواسطة حسناوات من الواضح ان حدود معرفتهن بالفن السابع تقف عند حدود أخبار نجوم هوليوود وأحوالهم العاطفية، وحين يستعرضن فيلماً لن يتجاوز هذا كونه من تلك الإستعراضات الضخمة المصنوعة للترفيه عن الصبية في صالات «المولات» مترافقة مع علب البوشار الشهيرة... بالنسبة لصاحبات هذه البرامج تلك هي السينما وذلك هو تاريخها... والحال ان المرء الذي بالكاد بات راغباً في الإعتراض على واقع مثل هذا، كان من شأنه ان يصبر معزّياً نفسه بأن تلك هي الحال خارج «الموسم» ولا شك في أنها ستتبدل حين يحل هذا «الموسم» وسوف تضحي المحطات بجزء ولو يسيراً من وقت مقدّماتها الثمين، للإنشغال، ولو بطريقة «رفع العتب»، في تتبّع ما تبقى من حراك سينمائي، والاهتمام بمن تبقى من مبدعين سينمائيين لا يزالون يصرون رغم كل شيء على تحقيق إبداعات سينمائية يعرف كثر منا انها هي التي ستعيش في نهاية الأمر، بعد ان تُنسى كل السخافات الأخرى التي تملأ الشاشات الصغيرة في بلادنا... بل إنها هي التي ستمد التلفزيون لاحقاً بالدماء التي تحفظ له بعض كرامة فنية! للتذكير فقط، نشير، على سبيل المثال، الى ان الشاشات الصغيرة الفرنسية تعيش كل عام، لمناسبة انعقاد دورات مهرجان «كان» في الجنوب الفرنسي، عرساً سينمائياً حقيقياً يتضمن التنافس على عرض أجمل أفلام تاريخ السينما ومحاورة كبار السينمائيين بين اهتمامات اخرى لعلها تبرر للتلفزيون نفسه بعض وجوده الفني!!