نعرف منذ زمن بعيد ان الحديث عن مهرجان «كان» السينمائي او اي من المهرجانات السينمائية في العالم، يمكنه ان يكون حديثاً عن التلفزة ايضاً وربما بقدر ما هو حديث عن السينما. ذلك اننا نعرف ان هذه المهرجانات اذا كانت وظيفتها الرئيسة ان تقدم جديد الانتاج السينمائي في العالم افلاماً ولكن كذلك تيارات وأفراداً موهوبين، فإنها في الوقت ذاته توفر للشاشات الصغيرة كمية لا حدود لها من البرامج والأخبار وساعات البث التي قد تواصل المحطات تقديمها احياناً حتى موعد الدورة المقبلة، لكن الأهم من هذا هو ان المهرجانات تزوّد ايضاً الشاشات الصغيرة بأعداد من الافلام التي حتى ولو كانت، كما جرت العادات والأعراف، لن تعرض الا بعد زمن، فإنها تشكل زوادة دائمة الحضور للتلفزيون يمكنه ان يتغذى منها الى ابد الآبدين. ونعرف طبعاً ان تلك البرامج وهذه الافلام هي التي تعطي التلفزة نكهة مميزة وتخرجها من روتين يفرضه عليها معظم المواد الاخرى التي تبث. انه بالطبع شيء نعرفه وتعرفه التلفزة نفسها التي اعتادت ان تعطي بقدر ما تأخذ في هذا المجال، ما يضعنا دائماً امام لعبة عادلة متكافئة. اما الجديد في هذا السياق، او على الأقل ما يتزايد الاحساس به، وأكدته هذه الدورة الجديدة من مهرجان «كان»، فهو انه اذا كان ثمة اختيار نوعي ما، اي اختيار لموقع في «الحرب» الدائمة التي تخاض منذ بدايات تاريخ تحول السينما من اختراع مدهش الى عمل فني الى مشروع تجاري ضخم، بين السينما التي تريد ان تقول شيئاً سواء كانت طليعية ام مناضلة ام جادة ام مجرد سينما ذكية جميلة، من ناحية، وبين السينما الاخرى التي لا تريد ان تقول اي شيء – وهي على اي حال السينما الانجح والاكثر تحقيقاً للأرباح وإن كانت اقصر عمراً -، من ناحية اخرى، اذا كان ثمة اختيار هنا، فإن التلفزة تبدو اكثر وأكثر وكأنها اختارت موقعها في هذه الحرب. للتأكد من هذا، يكفي المرء ان ينظر بعناية وانتباه الى مقدمات الافلام المعروضة ليلاحظ فوراً ان قائمة منتجي الفيلم تضم في كل مرة اسماء كثيرة لمحطات تلفزيونية ساهمت مالياً في اظهار الفيلم الى الوجود. وفي بعض الأحيان قد تكون محطة ما («بي بي سي» مثلاً) المنتج الوحيد للفيلم. في المقابل يحدث كثيراً ألا يكون ثمة اثر لاسم محطة او شركة تلفزيونية لدى الافلام الاخرى الكبرى والتي اصلاً لا وجود لها في المهرجانات الا في شكل استثنائي. حسناً قد يكون الأمر بالنسبة الى التلفزة من نوع «مكره اخاك لا بطل». وقد يلعب في الامر واقع ان الافلام الضخمة ليست في حاجة الى اموال التلفزيون، لكن النتيجة واحدة: «اختيار» التلفزة حلفاءها في هذه الحرب الابدية هو الذي مكن آلاف الأفلام المتميزة من ان توجد. ووجود هذه الأفلام اعطى التلفزة احتراماً ما كان لها ان تحلم به. اي في الوقت الذي صارت فيه التلفزة ملاذاً آمناً للسينما المميزة تمكنت هي من ان تكون ملاذاً لمن يريد من التلفزيون ان يكون اكثر بكثير من مجرد آلة ترفيه.