تقول أرقام تتعلق بنسبة مشاهدة البرامج التلفزيونية في فرنسا، خلال الأسابيع الأخيرة، ان البرامج السينمائية حازت أكبر نسب من المتفرجين على المحطات الرئيسة غير السينمائية، وذلك بالتحديد في الفترة المتزامنة مع عقد مهرجان «كان» السينمائي في الجنوب الفرنسي. واللافت في هذه الأرقام انها لا تتعلق ببرامج الحكي التي تدور حول السينما، ولا باللقاءات التي أُجريت مع السينمائيين، سواء أكانوا نجوماً أم مخرجين أم غيرهم من أهل السينما، بمن فيهم النقاد والصحافيون. الأرقام تتعلق، بخاصة، بعدد المتفرجين الذين شاهدوا عبر تلك الشاشات الفرنسية، أفلاماً سينمائية آتية من فرنسا أو من العالم الخارجي بما فيه العالم العربي. وطبعاً، قد لا نكون في حاجة الى التنبيه إلى ان كل ما شوهد، في ذلك الموسم التلفزيوني/السينمائي القصير، إنما هو أفلام قديمة ولو في شكل نسبي... بمعنى انه لم يكن ثمة بينها أي فيلم من الأفلام المعروضة في المهرجان، وهذا أمر بديهي. أما ما عرض، وضمن استراتيجيات برنامجية رسمت بعناية ونفذت في شكل لا يخلو من حصافة وذكاء، فإنما كان – في معظم الحالات – أفلاماً لها علاقة ما بما هو معروض من أفلام جديدة في هذه الدورة من «كان». فمثلاً، إن كان هناك فيلم روماني لكريستيان مونجيو، كان واضحاً انه سيثير صخباً خلال المهرجان، ها هو يعرض فيلم لمونجيو نفسه، كان فاز قبل سنوات بالجائزة الأسمى في «كان»، أي السعفة الذهبية، وهو «4 شهور و3 أيام... الخ». ولئن كان متوقعاً سلفاً ان يكون فيلم ميكائيل هانيكي الجديد «حب» فيلماً/حدثاً في الدورة، ها هي تحفته السابقة «الرباط الأبيض» تعرض عبر إحدى المحطات... وفي الإمكان هنا على أية حال إيراد أمثلة كثيرة من هذا النوع تتناول «موسماً» حصر في أسبوعين، استفادت فيهما العروض التلفزيونية من دعاية «كان» وصخبه المجاني لتعزز عروضها ومن ثمّ تحقق أرباحاً وهي تنشر وعياً سينمائياً إضافياً، جاعلة المهرجان وعروضه السابقة والحالية ظاهرة فنية متكاملة. هنا قد يقول قائل ان الأمر بديهيّ، وربما لا يحتاج الى تعليق ووقفة من هذا النوع. والحقيقة أنه كان في وسعنا ان نوافق على حديث البداهة و«لزوم ما لا يلزم» في هذا السياق، لو اننا لاحظنا دائماً ان محطاتنا التلفزيونية العربية التي كانت ولا تزال تنفق الكثير لإرسال وفود الى المهرجان، لا يخطر في بالها – على سبيل المثال – ان تحقّق مكسباً فنياً وتجارياً كبيراً من العيار نفسه وبالطريقة نفسها: أن تفكر في انه بما ان أكثر من نصف دزينة من مبدعي السينما العرب شاركوا بجديدهم في دورة «كان» لهذا العام وأثاروا صخباً، كان من المفيد للجميع ان تعرض المحطات هذه بعض قديمهم للمناسبة. ونعرف ان بعض هذا القديم ناجح و«يبيّض الوجه». فكيف تفوت هذه الفكرة «البديهية» اهل تلفزيون يمضون نصف وقتهم بحثاً، كما يقولون، عن أفكار جديدة مقنعة؟