تحول لقاء كان من المفترض أن يقام، لتكريم عائلتين تنازلتا عن دية اثنين من أبنائهما ، إلى حوار وطني «بامتياز» بعد أن تجاذب المجتمعون الحديث عن «الروابط الوطنية، ونبذ الطائفية، والمناطقية، والقبلية بمختلف صنوفها» فيما دعوا خلالها إلى أهمية الالتزام ب «التعايش المشترك بين الأطياف الوطنية، وتعزيزها وتبادل الزيارات بين أبناء الوطن الواحد». وكانت قبيلة شمر، قد أقامت، أول من أمس، في مدينة الجبيل الصناعية حفلةً، تكريماً لعائلتي آل تريك والبندري، بعد تنازلهما عن شاب تسبب في وفاة اثنين من أبنائهما، في حادثة مرورية وقعت قبل ثلاثة أشهر، في مدينة الجبيل الصناعية. فيما قررت القبيلة، التي ينتمي إليها الشاب المتسبب في الحادثة، إقامة هذه الحفلة التعريفية بهدف «تعريف المجتمع بروح وسماحة المجتمع في القطيف، ودورهم في التنازل عن حقهم جراء هذه الحادثة، وشكرهم على هذا الموقف النبيل وموافقتهم الفورية على التنازل»، الذي تم من دون مقابل مالي، بناء على رغبة ذوي المتوفين، الذين أصروا على أن يكون التنازل «لوجه الله تعالى». وأكدت قبيلة الشمري في حديثها، إلى أن نيتها إقامة هذا الحفلة في مدينة حائل «إلا أنه مراعاة لظروف الجميع وتجنباً لمشقة السفر، حال دون ذلك، ما دعانا إلى استدعاء أهلنا وأحبتنا في حائل لحضورهم في الجبيل لإقامة هذا الحفلة» وأشاروا في كلمتهم إلى «هذا الموقف غير مستغرب على أهال كرام كأهالي القطيف، خصوصاً عائلتي آل تريك والبندري الذين تركوا زخرف الحياة وبريقها لأجل رضا الله»، وأكد مخلف الشمري إلى أن «ما قام به أهل القديح وأهل القطيف الكرام، هو بمثابة رسالة تسامح جميلة تجسد المعنى الحقيقي للأخوة الإسلامية والوطنية بغض النظر عن الاختلافات المذهبية»، مشيراً إلى أهمية «تنامي الحس الوطني على أصوات الفرقة ويجب عدم الإنصات لأصوات النشاز». فيما أكد الشيخ حسن الصفار على أهمية «ترسيخ مفاهيم العفو وحفظ حقوق الجوار في ظل الحاجة الماسة إلى هذه الروح»، مشيراً إلى أن «المبالغة في أمر الديات أمر مرفوض، وهذه مخالفات تواجه الشريعة ويجب نبذها». مقدراً الروح التي تحلت بها عائلتا آل تريك والبندري في التنازل عن الدية وتغليب الأخوة والروح الوطنية بينهما. من جهته، قال محمد آل تريك (والد المتوفى): «وقع التنازل لوجه الله تعالى، دون النظر إلى أي شي آخر»، وقال: «جميعنا معرّضون لمثل هذه الحوادث العرضية، ومن المؤلم جداً أن أدعو الأخوة في قبيلة شمر أن يجهدوا أنفسهم في السعي وتجميع مبلغ الدية، وطالما ولدي رحل إلى رحمة الله، ونحن كذلك راحلون، ولن نرحل إلى الله سوى بقطعة قماش بيضاء». وأضاف «أنا مقتنع تماماً بتنازلي عن مبلغ الدية، وتنازلت لوجه الله، وأصدقكم القول أنا لا أملك منزلاً، ولكن عزتي وقناعتي دفعتني إلى عدم اشتراط الدية لأن الحادثة لم تكن متعمدة»، وشدد على أن «تنازلنا عن الأخ الشمري هو لوجه الله تعالى، ولإيصال رسالة عن شهامتنا ونبل أهل القديح والقطيف». وكانت عائلتا البندري، وآل تريك، أعلنتا عن تنازلهما عن الشاب بدر الغليسي الشمري، الذي تسبب في حادثة مرورية وقعت في مدينة الجبيل الصناعية، أدت إلى وفاة اثنين من أبنائهما: علي آل تريك، وأحمد حسن منصور البندري. فيما نجا الشمري من الموت. وأعلنت العائلتان عن تنازلهما أثناء قيام وفد من قبيلة شمر، بزيارة العائلتين، وتقديم العزاء في المتوفين. وقال معتوق آل تريك، وهو عم أحد المتوفين، ل «الحياة»: «طلبوا منا التنازل عن المتسبب في الحادثة، فما كان منا إلا الموافقة على ذلك، بكل رحابة صدر. وتم الانتهاء من إجراءات التنازل أمام الجهات المختصة». وبرّر آل تريك، تنازلهم «الفوري» بأن الحادثة «غير مقصودة، وربما يتعرض لها، أو يتسبب فيها إي إنسان»، مضيفاً أن «تنازلنا لأخوتنا وأهلنا من قبيلة شمر، تم بعد أن قاموا بزيارتنا في مجلس العزاء في بلدة القديح، وتقديم العزاء، وطلبوا منا التنازل، فاستجبنا لهم قربة إلى الله تعالى، وترسيخاً لمفهوم التسامح الاجتماعي بين أطياف المجتمع الواحد». وأردف معتوق، «تحدثت مع أخي (والد الشاب المتوفى) حول ما عرضه علينا وفد قبيلة شمر، من استعداد لدفع الدية والتعويض جراء هذه الحادثة، إلا أننا اتفقنا على التنازل قُربة إلى الله تعالى، ومن دون مقابل»، مضيفاً «نريد إيضاح حجم التسامح لدى أبناء القطيف عموماً، والتأكيد على اللحمة الوطنية والاجتماعية». وأشار فرحان الشمري إلى «دور تسامح أهالي القديح في التنازل عن هذه الدية ترسيخاً لمبدأ التسامح وإظهاراً للوحدة الوطنية»، وقال: «ذهبنا إلى أهالي المتوفين بعد الحادث، وكان برفقتهم رجل الأعمال عبد رب الرسول الشهاب. وبعد انتهاء العزاء وقبل أن ينصرف أهل الشمري أبلغتهم العائلتان الكريمتان بأن يعتبروا أنه لم تحصل حادثة، ولم يتوفَ لهم أحد، وسيذهبون إلى الجهات المعنية لإنهاء الإجراءات بأنفسهم. وفعلاً تمّ ما وعدوا به وأنهوا إجراءات التنازل لدى المحكمة والمرور. فجزاهم الله خير الجزاء على ما فعلوا من معروف، وعن تنازلهم عن حقهم دون أي تدخل من أي جهة أخرى». وأوضح أن «هذا التصرف يدل على ترابط أبناء المملكة و توادهم و حبهم لفعل الخير مهما أرجف المرجفون الطائفيون. وهذا الفعل بمثابة حجر ألجم أفواه مثيري الطائفية الباحثين عما يفرق فقط» مضيفاً «الحمد لله الذي جعل بداية الحادث حزناً وأسى على الجميع و نهايته بهجة و ألفة بين أبناء الوطن رغم اختلاف المذهب. وهذا مصداق قوله تعالى (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم)».