نصّ قرار مجلس الأمن الرقم 2118 حول نزع السلاح الكيماوي السوري في بنده الأخير على تأييد اتفاق «جنيف 1» حول سورية خصوصاً في بنده المتعلق بإنشاء هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة، وفور صدور القرار حدّد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون 15 تشرين الأول (أكتوبر) موعداً لعقد «مؤتمر جنيف 2» لإطلاق مسار التسوية السياسية بين النظام السوري والمعارضة. وعلى رغم التصريحات الأميركية الروسية التي عبّر عنها الثنائي لافروف - كيري بضرورة العمل على «جنيف 2» بالتوازي مع نزع السلاح الكيماوي، إلا أن الظروف والشروط السياسية والميدانية من جهة، ورغبة الفاعلين الدوليين الكبار من جهة ثانية تحول دون إنجاز اتفاق، أو على الأقل إطلاق تسوية سياسية جدية من شأنها أن تمهد لاتفاق مرحلي باتجاه إنهاء الأزمة السورية. فالولايات المتحدة ليست الآن في صدد الضغط نحو تسوية تنتهي بإزالة النظام السوري، فالأولوية الآن لإزالة الكيماوي وإنهاء أي تهديد إستراتيجي لإسرائيل، ويمكن ملاحظة عدم التفات أوباما في خطاباته الأخيرة إلى أهداف الثورة السورية، ذلك أن أية تسوية يشتم منها النظام محاولة القضاء عليه، ستدفعه إلى عرقلة مهمة الأممالمتحدة بنزع الكيماوي، وهو أمر تدركه واشنطن جيداً، ولا يتعلق الأمر بمحاولة إخفاء بعض هذا السلاح، فهذا أمر غير ممكن بعدما كُلفت منظمة حظر السلاح الكيماوي مهمة الإشراف على العملية ومتابعة مدى التزام النظام السوري بها، وإبلاغ مجلس الأمن بأي خرق للقرار الدولي، وبالتالي عودة التلويح بشبح الضربة العسكرية التي ستكون ربما هذه المرة تحت غطاء دولي. بل يتعلق الأمر بمحاولة دمشق عدم تهيئة الظروف التي تساعد الفريق الأممي على تسريع عملية نزع السلاح، مثلما فعل مع الفريق العربي برئاسة الدابي، خصوصاً أن نزع هذه الأسلحة عملية معقدة تتطلب آليات متدرجة للوصول الى المرحلة الأخيرة. أما النظام السوري، فقد استطاع الحصول على وعد أميركي بتقليص الدعم العسكري لمسلحي المعارضة إلى حين الإنتهاء من نزع الكيماوي، وهو أهم شروط الصفقة الروسية الأميركية المضمرة، مع ما يعنيه ذلك من غض طرف المجتمع الدولي عن العنف الكبير الذي سيلجأ له النظام خلال المرحلة المقبلة، وأهم الجبهات التي ستفتح جبهة القلمون التي ظلت مؤجلة لمدة عام كامل، وهي جبهة في غاية الأهمية لجهة كبر مساحتها، حيث تمتد من صيدنايا ومعلولا شمال دمشق إلى عرسال جنوب حمص على طول يبلغ نحو 60 كيلومتراً وعرض نحو 10 كيلومترات، مرورا بأهم مدينتين في المنطقة هما يبرود والنبك اللتين تشكلان خزاناً للعتاد والمؤن لمسلحي المعارضة، وما يميز هذه الجبهة أنها ستكون تحت إشراف عناصر «حزب الله» بسبب جبالها وهضابها التي تتطلب نوعاً من المعارك احترفه عناصر الحزب، ويتوقع النظام بعد صفقة الكيماوي عدم تنديد المجتمع الدولي أو ممارسة أي ضغط لمنع مشاركة عناصر الحزب كما حدث في القصير. ووفقاً لذلك لا تبدو دمشق مستعجلة نحو تسوية سياسية بشروط المعارضة، ومن هنا يمكن فهم تصريح الوزير وليد المعلم أخيراً الذي أعلن فيه من نيويورك رفض دمشق أن يقرر مؤتمر «جنيف 2» مصير الرئيس الأسد، بمعنى أن المؤتمر المزمع عقده سيناقش التسوية تحت سقف عدم استبعاد الأسد. أما المعارضة السياسية فترفض المشاركة في أي مؤتمر سلام ما لم يكن رحيل الأسد أحد أهم بنوده، وما أن لمّح رئيس «الائتلاف» أحمد الجربا إلى إمكان حضور مؤتمر جنيف حتى خرجت أصوات تذكر بالمبادئ التي أسس عليها الائتلاف والتي تنص على عدم الدخول في أي حل سياسي قبل رحيل الأسد، فالائتلاف يدرك أن وضعه الذي لا يحسد عليه الآن لا يسمح له الدخول في مفاوضات سياسية، فلا يوجد دعمَ دولي واضح وصريح لأهداف الثورة السورية، ولا تجانس واضحاً داخل صفوفه وصفوف المعارضة المنقسمة إلى معارضات، ولا وضعَ ميدانياً مريحاً بعد ضعف القدرة التمثيلية للائتلاف على الأرض إثر التغيرات المهمة التي طرأت على خارطة تحالفات الفصائل المسلحة، وآخرها رفض 13 فصيلاً عسكرياً الاعتراف بالائتلاف الوطني والتعامل معه، ثم تشكيل «جيش الإسلام» المكون من 43 لواء وكتيبة بقيادة زهران علوش، ليصبح الميدان مع «داعش» والتحالف الكردي منقسماً الى عدة قوى يبدو «الجيش الحر» فيه هو الأضعف. * إعلامي وكاتب سوري