الأحد 6/9/2009: الحرب الدائمة في إسرائيل يتوقعون الكوارث، طبيعية أو حربية. وستعمد مؤسسة اسمها «مجلس التنظيم والبناء» الى إنشاء ثمانية مدافن كبيرة، من شمال إسرائيل الى جنوبها، يتسع كل منها الى ثلاثة آلاف قبر، أي انهم يتهيأون لسقوط آلاف القتلى نتيجة زلزال بدرجة 7.5 مركزه بيسان، يؤدي الى مقتل 6800 شخص في الشمال و2500 في القدس و3000 في تل أبيب و2100 في منطقة حيفا و3500 في اللد والرملة و1200 في جنوب إسرائيل. وفي موازاة الزلزال خطر التعرض لهجمات صاروخية تؤدي الى مقتل الأعداد المذكورة أو أكثر. مقابر كثيرة لإثارة الذعر من العرب والخوف من الطبيعة، تعمّق الإحساس بالعيش على حافة الموت، مع التذكير بأدبيات توراتية مأسوية. ثقافة تستخدم الموت سبيلاً للتمسك بالبقاء وتدمج الولادة والنهاية في وقت واحد، حلاوة يكتنفها الطعم المرّ. ولأن الأعداء إذا طالت حربهم يتفاعلون ثم يتشابهون، فإن العرب المحيطين بإسرائيل يتخلقون بأخلاقها: لا نصر ولا هزيمة، أي لا نهاية للحرب، لأنها لعنة تصيب الإنسان منذ ولادته، كأننا خلقنا لها لا لشيء آخر، من أجلها نحيا وفي سبيلها نموت. إنها الحرب ذات السر، مثل زلزال يفاجئ، مثل لعنة. الاثنين 7/9/2009: طبيعتنا من الشرفة يبدو الفجر عابراً الغبش الأزرق الى وضوح النهار. ومن الشرفة تُسمع جلبة الأطماع قوافل دعاة وحماسة أتباع وفلاحون قليلون يتوجهون الى ما تبقى من حقول. لا عصافير ولا أفاع تأكل العصافير. لا نحل يلاحق الزهر والثمر. طبيعة مرتبة، كأنها صنعت للتوّ من تراب مستورد ونبات بلاستيكي. الفلاحون أشبه بعمال بناء، والدعاة وأتباعهم على مسرح من معدن. والصراخ مثل ضباب يمنع الرؤية. ليس الفجر وعداً، وليته تاه في الغبش الأزرق، لم يعبر. عالم بلا روح. مجرد صناعة صمّاء. الثلثاء 8/9/2009: فيلم يتكرر لم تخطئ حين فضّلت الرؤية من بعيد، وتركتنا نكرر الخطأ مرة كل عشر سنوات، كل خمس، كل سنة واحدة. من بعيد تشاهد الفيلم نفسه مرات كثيرة، لكنك خارج الشاشة. تستطيع من مقعدك أن تتلهى بقراءة صحيفة أو كتاب، بالحديث مع زائر، بإغماض العينين والتأمل. نحن داخل الشاشة، ربما رأيتنا ورثيت لحالنا، نمارس مع الجموع فعل التكرار لكن وعينا يشقينا. الحدث اللبناني فيلم يتكرر تصويره وعرضه، تماماً مثل فيلم. وإذا تطلب المشهد جريمة فإن القاتل والقتيل ينهضان بعد التصوير ويتصافحان في الطريق الى مقهى الرصيف. «لبنان لعبة شعبه، شعبه اللعبة». كتبتُ هذه الجملة من قبل وأكرر إرسالها إليك، وأرجو أن تطمئن. نحن في الوطن لا نخشى فقراً وموتاً، لا نخشى حرباً. نحن اللبنانيين ذوي الوعي الشقيّ يقتلنا الضجر ومشاعر الاحتقار لمن يقودوننا، ولأنفسنا مراراً وتكراراً. واسألك: ألم تضجر بدورك من الفيلم؟ يبدو أن لا حدود للعنة. إنها لطخة على أرواحنا الحائرة في الوطن والمهجر. وأخبرك يا صديقي انني اشتريت قميصاً ملوناً، وأنتظر رأيك فيه عندما تراني في النسخة الجديدة من الفيلم، في دور الضحية لا في دور القاتل. الأربعاء 9/9/2009: من بريخت صار الاتحاد السوفياتي ورقة في كتاب التاريخ ومعه المعسكر الاشتراكي، لكن انطواء هذه الصفحة طوى أيضاً أعمالاً أدبية وفنية تستحق البقاء، خصوصاً تلك المتصفة بالنزعة الإنسانية والانحياز الى الفرد المهمش. المسرحي الألماني الراحل برتولت بريخت، كتب الشعر، فضلاً عن أعماله المؤثرة في بنية المسرح العالمي نصاً وإخراجاً. طبعة ثانية من «مختارات شعرية شاملة» لبريخت صدرت أخيراً عن دار الجمل (العراق – ألمانيا) بترجمة تقديم أحمد حسان. اخترت منها: - شكوى المهاجر «كنت أكسبُ خبزي وآكله مثلك تماماً. أنا طبيب، أو على الأقل كنت. لون شعري، وشكل أنفي كلَّفاني بيتي، وخبزي وزبدي أيضاً. من قاسمتني الفراش سبع سنوات جرّتني الى المحكمة. وسبب مهانتي: أن شعري أسود. هكذا تخلَّصت مني. لكنني هربتُ ليلاً عبر غابة (لأسباب تتعلق بأجداد أمي) لأجد بلداً يستضيفني. إلا أنني بحثت عن عمل من دون جدوى. قالوا لي، أنت وقح. فقلت: لست وقحاً، أنا ضائع». - حول الموقف النقدي «الموقف النقدي يصدم الكثيرين باعتباره غير مثمر. ذلك لأنهم يجدون الدولة منيعة أمام نقدهم. لكن ما هو في هذه الحالة موقف غير مثمر هو مجرد موقف واهن. إمنح النقد أسلحة يمكنه أن يقوّض دولاً. التحكم في مياه نهر، تطعيمُ شجرة فاكهة، تثقيف شخص، تحويل دولة. تلك أمثلة للنقد المثمر وفي الوقت نفسه أمثلة للفن». الخميس 10/9/2009: جبل أقرع استيقظت لأرى الجبل أقرع، كان حتى الأمس مكسواً بالأشجار. تأكدت من الرؤية وسألت نفسي: كيف في ليلة واحدة تقطع كل هذه الأشجار؟ رنّ الهاتف وطلب الصديق رأيي في الظاهرة العجائبية. أية ظاهرة، سألت؟ قال: ألم تستيقظ على الأصوات، كم أنت ثقيل النوم؟ ولم يكن الصديق مضطراً للشرح، كان التلفزيون يكرر بث الخبر مع الصور الليلية: أشجار الغابة بدلت جذورها بدواليب، وتركت الجبل بسرعة 60 كيلومتراً في الساعة متجهة الى البحر. شاطئ لبنان مليء بالأشجار المنتحرة، مثل نهر في الأمازون يحمل ما قطع الحطابون. أشجار لبنان لم يقطعها أحد: كيف تكون أشجار في وطن يأنس أهله الى لغة جافة. الأفضل أن نكون بلداً بلا أشجار. بلداً يشبه لغة أهله. إنها الهارمونيا.