بعد فشل الديموقراطيين والجمهوريين في الولاياتالمتحدة في التوصل إلى اتفاق حول الموازنة السنوية ورضوخ الحزب الجمهوري لمطالب القاعدة اليمينية، اضطرت الحكومة الأميركية إلى تعطيل جزء كبير من أنشطتها أمس وللمرة الأولى منذ 17 سنة، لكن المواجهة قد تفتح الباب أمام نكسة اقتصادية جديدة في حال عدم إيجاد مخرج قبل نهاية الأسبوع. وبعد أسابيع من شد الحبال بين الأكثرية الديموقراطية في مجلس الشيوخ والجمهورية في مجلس النواب، فشلت مفاوضات الساعة الأخيرة حتى فجر أمس في التوصل إلى اتفاق حول الموازنة، وأجبر الكونغرس بذلك الحكومة الأميركية على توقيف جزء من أنشطتها وتعطيل عمل 800 ألف شخص في الحكومة الفيديرالية. وتعتبر هذه الأزمة الأولى من نوعها منذ 1996 حين أجبر خلاف بين الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون والجمهوريين يومها الحكومة على إغلاق مماثل ل 28 يوماً غير متصلة وانتهت بتنازل الجمهوريين أمام ضغط الرأي العام. ويحاول الجمهوريون اليوم الربط بين إقرار أي موازنة بفرض تغييرات في مشاريع اجتماعية وصحية من بينها قانون الضمان الصحي أو ما يعرف ب «أوباماكير» والذي أُقِر في 2010 وأضحى قانوناً فعلياً أمس، بعد رفض البيت الأبيض الإذعان لضغوط الجمهوريين وتأجيل العمل به. وهكذا يجلس الحزب الجمهوري في موقع لا يحسد عليه، نظراً إلى خسارته ورقة التفاوض حول الضمان الصحي، ورفض مجلس الشيوخ والبيت الأبيض توقيع أي موازنة تربط بين أرقام الصرف و «أوباماكير». وتهيمن انقسامات على الحزب الجمهوري بين الأطراف المعتدلة وتجمع «حزب الشاي» اليميني والحاضر بقوة في مجلس النواب. وحذرت قيادات معتدلة في الحزب من بينهم المرشح السابق ميت رومني من مغبة الوقوع في شرك تعطيل العمل الحكومي، وبالتالي تحمل أمام الرأي العام مسؤولية أي نكسة اقتصادية وفشل تشريعي. وعكست الاستطلاعات توجيه غالبية الأميركيين اللوم إلى الجمهوريين في هذه الأزمة، إذ اعتبر 69 في المئة ممن شاركوا في استطلاع لشبكة «سي أن أن» التلفزيونية أن الجمهوريين يتصرفون مثل «أطفال مدللين». ولم تجدِ اتصالات الساعات ألأخيرة بين أوباما والرئيس الجمهوري لمجلس النواب جون باينر الذي يحاول اليوم حصد تنازل يرضي فيه حزبه. ودخلت المفاوضات في سباق مع الوقت أمس لتأليف لجنة مشتركة تصوغ مرسوماً مقبولاً من الحزبين، إذ أن امتداد الأزمة للأسبوع المقبل سيفاقمها ويفتح الباب أمام أزمة أخرى حول سقف الدين البالغ 16.7 تريليون دولار. وأقفلت متاحف واشنطن والحدائق العامة أمس، كما اضطرت وزارات كثيرة إلى وقف عمل المتعاقدين موقتاً إلى حين تمرير الموازنة التي تتيح ذلك. ولا يبدو أن الاقتصاد العالمي مهدد على الفور نتيجة الشلل الموقت للدولة الفيديرالية الأميركية، لكنه خاضع لخطر عدم سداد الحكومة الأميركية مستحقاتها والمتوقع أن يتفاقم بعد 17 تشرين الأول (أكتوبر) إذا لم يتوصل الجمهوريون والديموقراطيون إلى تسوية. وحذر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون من أن التعطيل قد يهدد الاقتصاد العالمي الهش. وارتفع مؤشر «داو» الصناعي الأميركي 0.06 في المئة إلى 15139.43 نقطة في نيويورك وصعد مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» الأوسع نطاقا 2.26 نقطة إلى 1683.81 نقطة. وارتفع سعر الذهب في التعاملات الفورية 0.42 في المئة إلى 1332.80 دولار للأونصة. وتراجعت عقود خام «برنت» 40 سنتاً إلى 107.97 دولار للبرميل. وأعتبر رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم ان شلل الموازنة في الولاياتالمتحدة يمكن ان يلحق «اضراراً جسيمة» بدول الجنوب. وقال ان «الشكوك المالية في الولاياتالمتحدة تثير قلقنا الى أعلى درجة».