على رغم الانفتاح الديبلوماسي الذي يُعتبر سابقة، بين الولاياتالمتحدةوإيران، وتأييد غالبية الأميركيين حواراً مباشراً بين البلدين حول الملف النووي، تمضي إدارة الرئيس باراك أوباما بإيقاع بطيء وحذر في انفتاحها على طهران، وتحرص في نهجها على طمأنة إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نتانياهو الذي يعوّل عليه أوباما لإنجاح عملية السلام أو أي تفاهم مع طهران. وتعكس الصورة الودية التي حاول أوباما إضفاءها على لقائه نتانياهو في البيت الأبيض، والذي استمر أكثر من ثلاث ساعات، عمق المصلحة الأميركية في توظيف هذه العلاقة في مرحلة المفاوضات مع طهران، ومحاولة التوصل إلى تسوية ديبلوماسية حول ملفها النووي. ويعتبر المسؤول الأميركي السابق آرون ميلر أن أولويتَي السياسة الخارجية لأوباما في ولايته الثانية، والتي حصرها في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بعملية السلام وإيران، تتقاطعان في مسارهما في تل أبيب وتمنحان نتانياهو موقعاً فريداً في العلاقة مع البيت الأبيض. وبعد هزة في العلاقة بين أوباما ونتانياهو خلال الولاية الأولى، بسبب الاستيطان، تبنّى الرئيس الأميركي نهجاً أكثر ودية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، لتحقيق أهدافه المرجوة في عملية السلام ومع إيران، بعد فشل سياسة التحدي والمواجهة مع تل أبيب. ويرى ميلر أن أوباما ليس قادراً الآن على المجازفة بالعلاقة مع نتانياهو، إذ أن الأمر سيهزّ الأعمدة الخارجية في ولايته الثانية. ويحظى نتانياهو بتأثير قوي في الملف الإيراني، بسبب نفوذ اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس، وتشكيك غالبية أعضائه بنيات إيران وتشدّدهم في هذا الصدد، إلى جانب عمق العلاقة الإسرائيلية - الأميركية على المستوين السياسي والشعبي. ويطبع التشدّد نهج الحزبين الديموقراطي والجمهوري في الكونغرس حيال طهران، إذ أن فوز حسن روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية لم يمنع الكونغرس من تشديد العقوبات على طهران، بغالبية 400 صوت في مقابل 20 فقط. كما انتقد كثيرون من الجمهوريين اتصال أوباما بروحاني، لكن استطلاع رأي أعدّته شبكة «سي أن أن» أظهر تمتع أوباما بغطاء من الرأي العام في سياسة الانخراط التي يتّبعها مع طهران، إذ حظيت بتأييد 76 في المئة من الأميركيين. ويتّسم نهج الإدارة في المفاوضات مع طهران بحذر كبير، بسبب حرصها على العلاقة مع نتانياهو، وتأمين نجاح جهود السلام أو تسويق أي تفاهم مع إيران في الملف النووي. ويستبعد مراقبون أي خطوات أميركية قريباً لرفع العقوبات عن طهران، من دون تقديم روحاني تدابير فعلية على الأرض، مثل إغلاق منشأة فردو المحصنة قرب مدينة قم، أو خفض نسبة تخصيب اليورانيوم. أما الاتصال الهاتفي بين أوباما وروحاني و «الغزل» عبر موقع «تويتر» وإعادة الولاياتالمتحدة إلى إيران قطعة أثرية مهربة، فهدفها تأسيس مناخ إيجابي يحفّز هذه الخطوات. وستحتّم أولوية الملف الإيراني وعملية السلام، استراتيجية أميركية وجهداً ديبلوماسياً شاقاً على جبهات، أبرزها مع نتانياهو الذي يحمل مفاتيح حلّ الدولتين، وأيضاً أوراق ضغط في الكونغرس تفرض على أوباما إرضاءه واستمهال أي خطوات مع إيران قد تُجابَه برفض إسرائيلي أو تهدد بإفشال ملفات أخرى، داخلية وخارجية.