من الوقائع المثيرة التي أوردها التقرير الخامس ل «اللجنة الدولية لتغيّر المناخ» أن المحيطات تغمر الأرض بسرعة تفوق ما كان توقّعه التقرير الرابع للجنة في عام 2007. ويلاحظ ستيفان غويات، وهو اختصاصي في المناخ من جامعة جنيف، أن هذا التفاوت إيجابي، لأنه يعني أيضاً أن كلا التقريرين سار في الاتجاه عينه، بمعنى أنهما كلاهما أشّراً إلى غرق الأرض تحت تأثير الارتفاع المتواصل في مستوى مياه المُسطّحات المائية الناجم أساساً عن ذوبان الثلوج في القطبين المتجمدين للكرة الأرضية. وذهب إدواردو زوريتا، وهو باحث في «معهد البحوث الساحلية» في مدينة «غيزتاخت» الألمانية، إلى أنه من المبالغة القول بأن توقعات التقرير الرابع، الذي صدر في عام 1990 كانت دقيقة، بل يكفي القول ببساطة إنها كانت في الاتجاه الصحيح، إذ أن فاصلاً زمنيّاً بعشرين عاماً يجدر أخذه في الاعتبار. لغز الغيوم أثناء إعداد التقرير الخامس ل «اللجنة الدولية لتغيّر المناخ» عاد مصطلح «تأثير الفراشة» Butterfly Effect للبروز مُجدّداً، ولكن في سياق الحديث عن نماذج المحاكاة الافتراضية بالكومبيوتر عن المناخ. ويشير هذا المصطلح إلى أنه يكفي حصول تغييرات طفيفة في جزء من المناخ، كي تتأثر صورته العامة بشكل قوي. وبالنسبة إلى النماذج الافتراضية، يكفي حدوث تغيّر طفيف في المعطيات الأساسيّة المُركّبة على برامج الكومبيوتر، كي يُعطي النموذج الافتراضي كله نتائج مناقضة للأحوال التي تجري دراستها! في هذا الصدد، يشير زوريتا إلى أن علم المناخ لا يزال يواجه عدداً وافراً من الألغاز، على رغم أن نماذج المحاكاة الافتراضيّة حاضراً تتسم بقدر أكبر من التطوّر ومستويات أعلى من الدقّة، لكن هذا لا يلغي التوجسّ الدائم من إمكان حدوث خطأ ما فيها. وفي التفاصيل، يشير العالِم السويسري ريتو كنوتّي، وهو ممن شاركوا في صوغ التقرير الخامس عن المناخ، إلى أن النماذج المستخدمة في المحاكاة الافتراضية للمناخ، تقدّم عموماً معطيات جيدة عن بعض جوانب المناخ كتطور درجات الحرارة عالميّاً على المدى الطويل، والتغيرات التي ستشهدها معدّلات سقوط الأمطار. في المقابل، يلفت كنوتّي إلى أن هذه النماذج تعجز عن أشياء كإعادة إنتاج للدورة الكاملة للمياه عالميّاً بصورة دقيقة أو التحوّلات التي تطرأ على بنية التيارات الهوائية في الغلاف الجوي. وينبّه كنوتّي إلى أن تفاصيل التفاعلات بين الغلاف الجوي والمحيطات وسطح اليابسة والغطاء النباتي والنظام الإيكولوجي، ما زالت غير دقيقة بالقدر الكافي. في هذا السياق، يشير كنوتّي، وهو اختصاصي في علوم الغيوم، إلى أن عمليات تشكّل السُحُب والتحولات التي تطرأ عليها، تعتبر من التحديات الرئيسية التي تواجه عملية صنع نماذج محاكاة افتراضية دقيقة عن المناخ. ويوضح أن تركيب الغيوم يتسم بتعقيد ضخم، بل أن كل غيمة لها خصوصياتها، كما يتضّح بالمعاينة المباشرة للغيوم. ويلفت إلى أن الغيوم تؤثّر بقوّة في درجة الحرارة، لكن لكل غيمة تأثير مختلف على المحصلة النهائية لإشعاع، لذا محاكاة تصرفاتها بواسطة نموذج رقمي معلوماتي هو أمر فائق الصعوبة. وعلى رغم هذه الشكوك وعدم اليقين، فهناك هامش واسع لإجراء توقّعات معقولة عن المناخ وأحواله وتبدّلاته، بحسب ما يؤكّده زوريتا الذي يسلّم أيضاً بضرورة تحسين نماذج المحاكاة الافتراضية عن المناخ. «رأينا تطوّر مماثل يحصل بالنسبة إلى علوم الأرصاد الجوية. فقبل عشرين عاماً، كانت النماذج الافتراضية للكومبيوتر عن الطقس أقل تطوّراً، ولم يكن من المستطاع إعطاء تقديرات دقيقة عن حال الطقس إلا لمدّة يومين مقبلين. ومع تطوّر نماذج المحاكاة الافتراضية، صار من المستطاع راهناً تقديم معلومات دقيقة عن أحوال الطقس لستة أيام مقبلة».