عشرون سنة مرت على افتتاح متحف الشاعر اليوناني قسطنطين كفافيس (1863- 1933) في محطة الرمل في الاسكندرية في الطبقة الثالثة في عمارة قديمة مبنية على الطراز الإيطالي قبل أكثر من 150 سنة. وعلى رغم المشهد السياسي المضطرب في البلاد، يجري الإعداد لاحتفالية ضخمة ستشهدها الاسكندرية خلال الشهر المقبل، لمناسبة مرور 150 سنة على ميلاد الشاعر الملقب ب «روح الاسكندرية النابضة». وفي هذا الإطار، أنجز الفنان اليوناني خاروس، وهو أستاذ في جامعة الفنون في أثينا، عملاً فنياً مستوحىً من قصيدة لكفافيس بعنوان «القرية المملة»، ووضعه في المتحف، وهو نصب كامل لكفافيس من الجبس الأبيض أجلسه على الأرض متكئاً على سريره، تجسيداً لحال اليأس والملل والروتين التي يشعر بها موظف ينهي عمله في وقت محدد... ويعود إلى منزله محملاً بالفراغ. والنصب موجود اليوم في أكبر غرف المتحف حيث يقبع السرير النحاسي متدثراً بمفرش ذهبي اللون، تعلوه مجموعة من الأيقونات المسيحية وسجادة مخملية صغيرة على الطراز الفارسي، وإلى جواره مصباح «كيروسين» وإبريق وردي. وتزدان جدران الحجرة بمجموعة من صور الشاعر وعائلته، منها صورة لوالدته هاركليا ولوالده بيتروس كفافيس وأشقائه، فيما يحتوي ركن آخر على خزانة صغيرة تضم منبّهاً عتيقاً، توقفت عقاربه قبل 80 سنة. وفي الواجهة شرفة أسدلت ستائرها العتيقة، والتي تعود إلى أكثر من مئة سنة، تطل على المستشفى اليوناني القديم (كوتسيكا) الذي أمضى فيها الشاعر آخر أيامه. كما تحتوي إحدى غرف المتحف على قناع الدفن الخاص بكفافيس داخل صندوق زجاجي وجهاز تسجيل قديم يمكن من خلاله سماع قصائده الملحنة. ويضم المتحف مادة أرشيفية مصورة عن الشاعر، كأشرطة فيديو للأفلام التي تناولت حياته، ومقالات لكبار الكتاب عنه، فيما عُلقت مقاطع من قصائده على الجدران. ويحتوى ركن آخر في المتحف على نصب رخامي نصفي له. إلى ذلك، يضم المتحف، الذي يرتاده سنوياً الآلاف من المهتمين بأعمال الشاعر اليوناني الكبير الذي لقبه لورانس داريل ب «شيخ الاسكندرية»، مكتبة تحتوي على مجموعة كبيرة من كتب كفافيس وأخرى من الكتب العالمية التي ألفت عنه بنحو 70 لغة. كما يضم أول طبعة من ديوانه الشعري، وبعض الكتابات بخط اليد. يوضح أمين المتحف محمد السيد أن كفافيس كتب وصيته عام 1923، وأوصى فيها لصديقه وجاره سونغو بولوس، الذي رافقه حتى وافته المنية، بكل ما يملك، باستثناء مبلغ مالي تركه لابنة شقيقه. ويقول: «للأسف نقل صديقه معظم مقتنيات كفافيس إلى اليونان، فباع منها جزءاً لمتحف «فيناكي» في أثينا، وباع جزءاً آخر لأشخاص آخرين. ولم يتبق سوى بعض الأثاث والمقتنيات القليلة التي جمعتها القنصلية اليونانية ووضعتها في جناح دائم داخل مبنى القنصلية». ويشير السيد إلى أنه عقب وفاة كفافيس، عمد تاجر مصري إلى تأجير المكان وحوّله إلى فندق صغير أطلق عليه اسم «بنسيون آمير»، وكان يرتاده العامة والغرباء... حتى تدهورت حال المكان، «وظل البنسيون على حاله حتى وقت قريب». في العام 1991، أسس المستشار الثقافي اليوناني كوستيس موسكوف جمعية لمحبى كفافيس، واشترى أحد أعضاء الجمعية، وهو يوناني ثري اسمه ستراتيغاكس، المنزل وحوله إلى متحف افتتح عام 1993 إثر ترميمه وإعادته إلى رونقه ومظهره القديم.