قال الرئيس التونسي المنصف المرزوقي إن إنجاز محطات أساسية في المرحلة الانتقالية في تونس سيشمل إعداد الدستور خلال شهرين، إضافة إلى إنشاء المنظمة المستقلة للانتخابات، آملاً بإجراء الانتخابات الربيع المقبل. واتهم «شبكة إقليمية مموَّلة من أفراد» بالعمل على «تعطيل التغيير الديموقراطي في تونس» من خلال الاغتيالات السياسية، مؤكداً أن أفرادها معروفون لدى الأجهزة الأمنية التونسية. ورفض المرزوقي في مقابلة مع «الحياة» على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تشبيه تجربة «حركة النهضة» في تونس بتجربة «الإخوان المسلمين» في مصر، مشدداً على «استقلالية النهضة عن تنظيم الإخوان» الذين «ارتكبوا أخطاء في مصر». وأشار إلى أن نحو 800 شاب تونسي يقاتلون في سورية، متخوفاً من أن جزءاً منهم «سيعود مريضاً» إلى تونس، «وسنضطر إلى محاربتهم لأنهم سيحاربوننا». ووصف الفتيات التونسيات اللواتي ذهبن إلى سورية ضمن ما يسمى «جهاد النكاح» بأنهن «ضحايا يجب احتضانهن». وهنا نص الحوار: اجتمعت مع الرئيس الإيراني حسن روحاني في نيويورك. هل لمست تغييراً جذرياً في الموقف الإيراني؟ - اللقاء كان بروتوكولياً وقصيراً. يمكن القول إن هناك تغييراً جذرياًَ في السياسة الإيرانية والشيء الذي حاولت أن أقوله للرئيس الإيراني أننا نتفاءل خيراً بانتخابه ونأمل منه أن يكون عنصراً فعالاً في تحسين العلاقات العربية - الإيرانية ويجب أن يفهم من يفهم أن هناك أشياء يجب أن تفعل. وبالنسبة إلينا، فإن الرسالة الواضحة والمشفرة هي أنه يجب على إيران أن تعيننا على حل المشكلة السورية التي هي اليوم مأساة الشعب السوري والأمة العربية بكل أطيافها. وبماذا رد؟ - رد رداً إيجابياً. وفعلاً هو لا يستطيع أن يقبل كل هذه المأساة (وقال) إن لا أحد يقبل بأن يقف مكتوف الأيدي أمام هذه المأساة أو هذه المجزرة، وإن إيران ستفعل كل ما في وسعها لحلحلة المشكلة. هذا ما فهمته. لإيران دور مباشر في دعم طرف من طرفي النزاع، وهو النظام، ولها طبعاً تأثير على «حزب الله» الذي أعلن أنه يشارك في القتال في سورية. - هذا شيء نعرفه. لكن نعرف أن السياسة فيها ثوابت وفيها أيضاً متغيرات، ومن الممكن أن هناك ثوابت لن تتغير ومن الممكن أيضاً حلحلة الموضوع، خصوصاً أن الرسالة التي نقلتها إلى كل الإيرانيين هي أن ليست لديكم مصلحة فقط في سورية بل في كامل الأرض العربية التي تمتد من المحيط إلى الخليج، وطالما أن هناك دعماً غير مشروط لرجل كبشار الأسد، فهذا ربما يساوي ربحاً مرحلياً عندكم في موضوع معين، ولكن خسارتكم على كل المحيط العربي ستكون كبيرة. وأنا آمل أن يتجاوب الإخوة الإيرانيون مع هذا المطلب الشعبي العربي لأنه آن الأوان لأن يرفعوا هذا الدعم اللامشروط. هذا لا يعني أن يتركوا هذا الحليف. لكن على الأقل ليضغطوا عليه كي يذهب إلى حل سياسي لأنه لا مخرج لسورية إلا الحل السياسي. جاء على لسانك أنه يوجد أكثر من 500 جهادي تونسي في سورية، وأنكم تخشون عودتهم وتقارنون عودة الجزائريين الجهاديين في أفغانستان إلى الجزائر وما حصل هناك بما قد يحصل في تونس مع عودة هؤلاء الجهاديين. ماذا تفعلون إزاء هذا الأمر؟ ومع من تنسقون؟ - أولاً يجب أن نفهم أن هذا العدد الموجود من التونسيين هو دليل على فشل التونسيين أنفسهم. يعني نحن لو كان عندنا تربية دينية ولو كان عندنا إمكانات اقتصادية... إلخ، لما كان هذا العدد الهائل من شبابنا يغرر به بهذه السهولة ويذهبوا إلى هناك بنوع من الرومانطيقية ثم يكتشفون أنهم داخل عصابات قتل وتهجير وقتل على الهوية الطائفية وأشياء فظيعة جداً. يجب أن نسأل أنفسنا نحن التونسيين ما هي مسؤوليتنا عن هذا الكم الهائل من الشباب الضائع. هذا أول شيء. ثم بعد ذلك نفهم أننا أيضاً مسؤولون. يعني كلنا كتوانسة مسؤولون عن أن نسترجع هذا الشباب، أو على الأقل جزءاً منه حتى لا يضيع نهائياً. نحن قمنا بكثير من الإجراءات للحد من هذه الظاهرة. أعطينا تعليمات لوزارة الداخلية بأن تُرجع كل من يُشَك في أنه قادر على الذهاب إلى «الجهاد» ونحن نعتبر أن هذا ليس جهاداً وإنما تدخلاً في حرب أهلية وإقحاماً للنفس في أمور فظيعة. وعادة هناك شباب يرجع مريضاً من هذه المغامرة. منعنا 4500 شاب من السفر فقط لأننا فكرنا بأنهم يمكن أن يذهبوا إلى سورية. طلبنا من الإخوة الليبيين أن يراقبوا هذا. طلبنا حتى من الأتراك أن يعاونونا على وقف هذا. هذه القضية بالنسبة إلينا خطيرة جداً، لأن هؤلاء الناس سيرجعون، منهم جزء سيرجع مريضاً لكنه يفهم أنه غُرر به، وهؤلاء يجب أن ندمجهم من جديد في المجتمع. وهناك جزء سنضطر إلى محاربتهم لأنهم سيحاربوننا. وماذا سيحصل للنساء التونسيات اللواتي عدن حوامل من «جهاد النكاح» في سورية؟ - الموضوع مؤلم جداً ومهين جداً ومذل جداً. ولا أريد أن أتكلم فيه، لأنه فعلاً شيء مقرف. أنا بالنسبة إليّ شيء كهذا دليل على الانحطاط الأخلاقي وعلى الخلط بين الدين والعهر وبين أشياء يندى لها الجبين. يعني كيف نحكي عن جهاد النكاح؟ كيف يمكن أن يغرر بالفتاة التونسية؟ من هذه الفتاة التونسية التي يغرر بها؟ أنا أشعر أنني أُهنت في شرفي الشخصي بسبب أشياء كهذه. كيف سنتعامل مع هؤلاء المسكينات الضحايا؟ نعتبرهن ضحايا ومسكينات غُرر بهن ويجب أن نتعامل معهن بأقصى قدر ممكن من الإنسانية، لأنهن ضحايا مجتمع ضحى بهن. لم يعطهن التربية ولم يعطهن العمل ولم يعطهن الكرامة. هن ضحايا انعدام التعليم وانعدام التربية الدينية. هن ضحايا بكل المقاييس، خصوصاً أننا نعلم أن عملية اغتصاب فظيعة وقعت لهؤلاء البنات. هؤلاء بناتنا ويجب أن نأخذهن بكل الرأفة وأن نحاول تخفيف كل الآلام التي تعرضن لها. يُقال إن «حركة النهضة» هي التي فتحت الباب أمام التطرف الإسلامي في تونس. ماذا تقول؟ - أقول إن العكس تماماً هو الذي حدث. يعني لما ضرب النظام كل مظاهر الإسلام السياسي المعتدل ومنع «النهضة»، مُلئ هذا الفراغ بالإسلام السياسي المتطرف. يعني لو كانت «النهضة» موجودة طيلة الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية، فلربما كانت تساهم في التربية، لأن ما نشاهده الآن سواء من هؤلاء الشباب، رجالاً أو نساء، هو انعدام الثقافة الدينية المطلقة وانعدام الثقافة السياسية المطلقة. وفي الواقع هذا ما أدى إلى التطرف. كنتم مجتمعاً علمانياً بامتياز. وفي نظر الكثير من التونسيين أتت «النهضة» بالإسلام السياسي وأدخلت الدين إلى الدولة وإلى المجتمع. - هذا كلام مرفوض ألف في المائة. هذا كلام يقوله المتطرفون العلمانيون وهو كلام أرفضه تماماً. لا تنسي أنني أولاً علماني، ولو أن كلمة علماني فيها كثير من المفاهيم، لكن أنا ضد الدولة الدينية ومع حقوق الإنسان ومع الديموقراطية ومع مساواة الرجل والمرأة... إلخ. هذا الكلام الذي يقال هو من باب الدعاية المتطرفة، لأننا أولاً مازلنا مجتمعاً يعيش تحت راية الأفكار العلمانية، والدليل على ذلك أن الدستور الذي نكتبه الآن ليس فيه أي إشارة إلى الشريعة وفيه إشارة إلى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة. في قضية الممارسات أيضاً لم تجبر الحكومة النساء على وضع الحجاب أو على وضع النقاب. الحريات كلها مكفولة. أرفض أن يقال إن من يحكم تونس هو «النهضة». من يحكم تونس هي «الترويكا»، وهي مجموعة من ثلاثة أحزاب، وهي علمانية. وليس من باب الصدفة أن رئيس الجمهورية ينتمي إلى هذا التيار. أيضاً رئيس المجلس ينتمي إلى ذلك التيار، ونحن نحكم ولنا قرار، وكل القرارات التي تؤخذ في تونس تؤخذ بالاتفاق بين الرؤساء الثلاثة، ولهذا فإن قصة أن تونس محكومة ب «النهضة» غير صحيحة. إذن أنت تُلام بالقدر نفسه كما تلام «النهضة» على الفشل الذي آلت إليه الأمور في تونس، وهل الوضع ليس مريحاً إلى درجة أن هناك احتجاجات وتحديات لكم وليس هناك قبول بكم؟ - هذا كلام تردده المعارضة، وهي محقة في هذا. كي نعرف إن كان هذا الكلام صحيحاً أو لا يجب أن نذهب إلى الانتخابات، فهي التي ستظهر إن كان الشعب يعتبر أننا فشلنا. شيء طبيعي أن تقول المعارضة هذا الكلام، لأن مهمة المعارضة أن تعارض، لكن لنذهب إلى الشعب ولنحتكم إلى الشعب. نحن نعلم أن هذه مرحلة انتقالية. والمراحل الانتقالية من أصعب المراحل، ولا يمكن أن نطالب فيها بحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الموروثة منذ 50 سنة. ورغم كل هذه الصعوبات، إلا أن الناتج القومي الإجمالي ارتفع إلى 3 في المئة بعد أن كان سلبياً بمعدل 2 في المئة في العام 2011. كل الديموقراطيات فيها تظاهرات واحتجاجات. لكن الاحتجاجات ليست فقط على الفقر والبطالة. الاحتجاجات على رفض الحكومة تقديم تنازلات سياسية، أو على أنها تتصرف من وجهة نظر كثيرين في المعارضة تماماً كما تصرفت حكومة محمد مرسي في مصر. - غير صحيح تماماً. أولاً في النموذج التونسي نحن حكومة ائتلافية. في مصر لم تكن هناك حكومة ائتلافية بين إسلاميين وعلمانيين. ثانياً الحوار السياسي لم يتوقف يوماً في تونس. في قصر قرطاج كل أول جمعة من كل شهر هناك عشاء مع المعارضة. لم يتوقف الحوار الوطني بيني وبين المعارضة ولا داخل المعارضة. إذاً، لا يمكن أن نسحب المثال المصري على التونسي في قضية الفشل أو عدمه. فشل «الإخوان» في السلطة... - أنا أتكلم عن تونس. تونس الآن تديرها حكومة شرعية، وعلى رغم شرعيتها قبلت بأن تأتي حكومة انتقالية لتشرف على الانتخابات، رغبةً في التوافق الوطني، بينما لا شيء يجبرها على هذا. هذه الحكومة عندها الغالبية في المجلس التأسيسي وفق قوانين الديموقراطية. الديموقراطية ليست ديكتاتورية الغالبية لكن ليست أيضاً ديكتاتورية الأقلية. الآن هناك بعض الناس يتصورون أن الأقلية التي خسرت الانتخابات هي التي يجب أن تحكم، لكن الأغلبية التي ربحت الانتخابات هي التي يجب أن تحكم ويجب أن نأخذ في الاعتبار... بإقصاء الآخرين؟ - أبداً. أبداً. والدليل على ذلك أننا رغم وجود غالبية منتخبة ديموقراطياً، فإن هذه الغالبية قبلت بأن تترك السلطة، وهذا الشيء لم يقع في أي دولة ديموقراطية، وذلك كي نضمن نزاهة الانتخابات، علماً بأن الأقلية ليس لديها أدنى قدرة على أن تفرض شيئاً، لأنه لا الشارع معها ولا مؤسسات الدولة معها ولا الشرعية معها ولا أي شيء. ومع هذا، نحن قبلنا بهذا رغبةً في الوحدة الوطنية. أين أنتم الآن من ذلك الحوار، خصوصاً مع النقابات؟ الحرب على الدستور مازالت قائمة. - الحوارات مع النقابات لم تتوقف أبداً، وآخر لقاء لي مع الأمين العام لاتحاد الشغل كان تقريباً قبل أسبوعين، وشهد توافقاً تاماً على أن يلعب الاتحاد دوراً ومعه منظمات المجتمع المدني في التوفيق بين الأحزاب السياسية، وهذا أيضاً شيء غير موجود في أي بلد باستثناء تونس. تونس مختبر الحوار الوطني المستديم. حكومتها رغم أنها منتخبة تترك السلطة من أجل أن تنظَّم انتخابات حرة ونزيهة ولا يشكك فيها أحد. هي بلد يجري العمل فيه مع المجتمع المدني. تونس مختبر وبصدد تجريب الكثير والكثير جداً من تقنيات الديموقراطية الحقيقية. لكن هناك أيضاً الاغتيالات السياسية، التي يُعتقد بأنها محاولة لوقف السير قدماً في موضوع الدستور... - طبعاً، نحن بلد -خلافاً لبلدان أخرى- لا يمكن أن تدخل فيه الفوضى والاضطراب عبر الجيش، لأن لدينا جيشاً منضبطاً ومهنياً ولا يتدخل في السياسة. ولا يمكن أن تدخل فيه الفوضى عبر المؤسسات أيضاً، لأنها منتخبة ديموقراطياً، ولا يمكن أن تدخل عبر الشعب، رغم الاحتجاجات. هذه الاحتجاجات لم تَجمع في أقصى التقديرات أكثر من ثمانين ألف شخص من شعب فيه 10 ملايين. إذا كنت لا تستطيع أن تحرك الشارع ولا تستطيع أن تحرك الجيش ولا تستطيع أن تحرك الخارج، بما أن غالبية الدول العظمى والصغرى كلها مع مواصلة التجربة في تونس، فكيف يمكن أن تدخل الفوضى بهذه الاغتيالات السياسية؟ ولكن أقول: نجح هؤلاء المجرمون إلى مدى معين. من هم؟ تقولون «أنصار الشريعة» وأرباب «القاعدة» ومشتقاتها. ما الأدلة لديكم؟ - نعرف أسماءهم، نعرف من اغتال الشهيد شكري بلعيد. 80 في المائة ممن شاركوا في هذه العملية موقوفون. نعرف أنهم فروا إلى الجبل وحاصرناهم. في جبل الشعانبي نعرف عنهم كل شيء، نعرف أنهم ينتمون إلى «أنصار الشريعة». نتصور أن هذه شبكة مرتبطة ب «أنصار الشريعة» في كثير من البلدان العربية، وأن جزءاً من هذه الشبكة يريد تخريب هذه التجربة الديموقراطية ولا يريدها أن تنجح. لكنها ستنجح رغم أنوفهم. عندنا دلائل على أن هذا التنظيم الإرهابي وراء الاغتيالات بالأسماء، نعرف حتى اسم الشخص الذي اغتال الشهيد محمد البراهمي. هذه كلها موثّقة عندنا. لدينا وحدات شرطة تقوم بدورها، والآن هي قضية تفكيك هذه المنظومة، وهي إقليمية وليست تونسية بحتة. هذا الموضوع نبحث فيه مع كل الدول الشقيقة، لأن القضية أصبحت اليوم قضية منطقة كاملة وليست قضية تونسية. مع من تبحثون من الدول؟ - مع الجزائر وليبيا ومالي وبلدان جنوب الصحراء. موضوع السلاح الآتي إليكم من ليبيا. ما مدى صحته وما مدى حجم هذا السلاح؟ - هذا الموضوع نعمل عليه كثيراً مع إخوتنا الليبيين، وهناك تعاون كبير بين أجهزة الأمن الليبية والتونسية والجيشين، لأنه فعلاً بعد انهيار (نظام معمر) القذافي أصبح تهريب السلاح إشكالية كبرى بالنسبة إلى الإخوة الليبيين وبالنسبة إلينا، ونحن نعاني أيضاً من الوضع الإقليمي. قضية الإرهاب اليوم متعلقة بالوضع في سورية والوضع في ليبيا والوضع في مالي... إلخ. نحن الآن نعيش كل اضطرابات المنطقة. ولهذا مشكلتنا الأمنية عامة وليست خاصة. ماذا لديكم من معلومات؟ هل تمويل هذه الشبكة من «أنصار الشريعة» وغيرها يأتي من أفراد أم حكومات أم مؤسسات عربية أو غير عربية؟ - لا أستطيع أن أعطي معلومات دقيقة عن هذا الموضوع لأننا بصدد البحث فيه، لكن أنا أستبعد جداً أن يكون وراءها دول، لأن من يلعب بهذه الورقة يحترق بها. هل تعتقد أن التمويل من أفراد؟ - نعم. أيهما يخيفك أكثر؟ الانقلاب أم الفوضى في تونس؟ - لا هذا ولا ذاك. أيهما يخيفك أكثر؟ - طبعاً الفوضى، لكنني لا أخاف الانقلاب، لأنه مرة أخرى نحن عندنا جيش مهني منضبط. جيش حمى الثورة ويحمي الشرعية، ولهذا لا مجال للخوف من أي انقلاب. لكن الفوضى ممكنة لأن هناك أطرافاً وأناساً وأموالاً أيضاً لدفع هذه الفوضى. لكن حتى بعد الاغتيالين السياسيين عرفنا أن شعبنا هادئ ومتماسك، وأن من يحاولون أن يبثوا الفوضى في آخر المطاف لم يجنوا شيئاً. كيف هي علاقتكم مع الجيرة العربية الأفريقية وغير العربية أيضاً. ما هي علاقتكم بمنطقتي المشرق والخليج العربي؟ - علاقاتنا بالأساس جيدة مع الإخوة الليبيين والجزائريين. هم الآن الطرف الأهم بالنسبة إلينا في قضية ضبط الحدود. لحسن الحظ لدينا الآن علاقات جيدة، وبطبيعة الحال علاقتنا التاريخية جيدة مع المغرب أيضاً ومع الإخوة في الخليج. يمكن القول إنه ليس لدينا أي عدو، لأننا بلد صغير ليست فيه رهانات استراتيجية كبرى. بلد لا يخشى منه أحد، وهذا سر من أسرار ربما نجاحنا في تونس. تبدو تركيا الراعي الأكبر ل «الإخوان». كيف أثر ذلك على العلاقة بين تركيا وتونس؟ - مرة أخرى، لا أعتقد أن «النهضة» تنتمي إلى «الإخوان»، بل إلى تيار تونسي هو أولاً وقبل كل شيء حزب تونسي إسلامي وليس حزب إسلامي تونسي. هناك فارق، لا أعتقد بأن تركيا ترعى «النهضة» ولا أعتقد بأن «النهضة» تقبل بأن يرعاها أحد لأنها حزب تونسي مسؤول أمام التونسيين وكل علاقاته مبنية على الوطنية التونسية. ظننت أن الأمر طبيعي أن يقال أن «النهضة» من «الإخوان»، فلماذا الاحتجاج؟ - أنا لا أحتج، لكن مثلما قلت أعتبر أن تنظيم «الإخوان» هو تنظيم أولاً مصري، وله ربما بعض الفروع. لكنني أعتبر أن «النهضة» حزب تونسي إسلامي وليس إسلامي تونسي. هل تعتقد بأن «الإخوان» في مصر فشلوا في السلطة؟ - أعتقد بأنهم ارتكبوا كثيراً من الأخطاء، لكن هذا لا يبرر ما وقع لهم. هذا شيء لا يقبل. الأخطاء كانت احتكار السلطة والاستفراد بها وإقصاء الآخرين. هذه أخطاء ضخمة وليست أخطاء عابرة. - هذه أخطاء سياسية تحاسب عليها سياسياً. عندما ترتكب خطأ سياسياً تحاسب سياسياً. عندما ترتكب خطأ إجرامياً تحاكم. نحن كنا نتمنى أن يفعلوا ما فعلته «النهضة» في تونس: الحوار، الحوار، الحوار، ونصحناهم كثيراً بذلك. لكن بحكم أنني قبل كل شيء حقوقي وديموقراطي، أعتقد بأنه لا يجب أن تكون إلا حلول ديموقراطية لمشاكل سياسية من هذا النوع. ما الجدول الزمني الواقعي للانتهاء من الدستور والانتخابات؟ - بعد شهرين إن شاء الله (سننتهي من) الدستور. أتمنى أيضاً أن نكون قد انتهينا من المنظمة المستقلة للانتخابات. ونكون حددنا أيضاً الانتخابات. أتمنى أن تجرى في الربيع في آذار (مارس) أو نيسان (إبريل) إن شاء الله وأن نكون آنذاك قد انتهينا من هذه المرحلة. لكن مرة أخرى نحن نعيش في وضع خطير مضطرب وصعب. نحن شعب متماسك قادر على إتمام هذه المرحلة الانتقالية بسلام وسنفعل كل ما في وسعنا. لكن تعلمين أننا يجب أن نكون مستعدين لمواجهة كل الحالات. ماذا تقصد بذلك؟ أتعني نزول الجيش إلى الشارع؟ - لا، أبداً. أنا مطمئن من الجيش ومن التدخلات الخارجية ومن الشعب. أعني بعض الجماعات التي يمكن أن تقوم بمحاولات إرهابية وتخريبية لتعطيل المسار مرة أخرى، لكنها ستفشل كما فشلت في كل مرة.