عاش عادل حرابة نحو ثلاثة عقود، أكثر ما عرفه خلالها الألم، الذي كان رفيق عمره، بسبب إصابته بمرض فقر الدم المنجلي، الذي كانت نوباته المتكررة تدهم جسده النحيل. لكن أي ألم تحمله جسد حرابة حين سكب «الأسيد» على جسده، قبل أن يريده الإرهابيون برصاصة.. عادل حرابة أول وآخر ضحايا جريمة الدالوة، وإن كان لا ينتمي لهذه البلدة. بل إلى بلدة أخرى مجاورة، تسمى المنصورة. على رغم أن نوبات فقر الدم المنجلي الحادة منعت عادل حرابة (35 عاماً) ، من تحقيق عدد من أحلامه وتطلعاته في حياته «القصيرة»، لكن وجهه، الذي رسمت عليه علامات هذا المرض، كان حاله مختلفاً، فالابتسامة لا تكاد تفارقه، حتى في أقسى لحظات تلويه ألماً من نوبات التكسر «الحادة». وجاهد لاكتساب قوته، بما تبقى له من قوى لم تنهكها بعد نوبات هذا المرض، محاولاً ادخار ما يمكن ادخاره، لتحمل مسؤولية الصرف على عائلته، وادخار ما تبقى من المال، أملاً في إكمال نصف دينه. يقف عادل على قارعة طريق بلدته المنصورة، إذ كان يجيد أعمال «ميكانيكا» المركبات، يلتفت في شوارعها وأزقتها الضيقة، يسرح بفكره أحياناً كثيرة، وأحياناً أخرى يجلس على طرف الرصيف، يفتح موبايله يبحث بين أسمائه، عن عدد من أقرانه وأصدقائه، يرسل لهم بعض التحايا، ويلتمس منهم تقديم أية خدمة في مقابل «الدعاء لي بالشفاء»، وهي الجملة التي تكررت في رسائله التي لا يزال الكثير من أصدقائه يحتفظون بها. يلتفت مرة أخرى إلى شوارع البلدة وأزقتها، يأمل أن تكتظ هذه الشوارع ليلة زفافه، الذي كان يحلم به بين الفنية والأخرى، يتأمل معالم البلدة، ويتفقد معلماً واضحاً لتعليق دعوة زواجه، ليدعو أبناء قريته لحضور هذا الزفاف. لكنه لم يعلم أنه زف أمس الجمعة «عريساً»، بأعظم ما كان يخطط له، بعد أن توشح بأغطية بيضاء، وكأنه ولد من جديد. ولم يعلم أن صوره علقت في جميع أحياء محافظة الأحساء. ولم يعلم كذلك أنه أصبح معلماً شاهداً على هذه «الجريمة الإرهابية»، بعد أن شيعه آلاف السعوديين تقاطروا على واحته من كل مناطق المملكة، ونثروا على جثمانه الورد والريحان، بل حتى نساء بلدته رددوا أهازيج العرسان، في وداعه الأخير. في الليلة الأخيرة، كانت أم عادل تترقب حضوره، بعد أن تأخر عن موعده المعتاد، كان قلب الأم دليلها، وكان لسانها، بعد أن سمعت خبر استشهاده، يردد الأبيات الشهيرة التي ترددها النسوة الثكالى اللاتي فقدن أبناءهن فجأة من دون مقدمات: «يا ليل طول ساعاتك.. يا ليل احمل أهاتك.. صدقني يا ليل القهر خايفة من أشباح القدر.. خايفة من أشباح القدر.. وأخاف أضل مكسورة خاطر». وكأنها تخاطب هذا الظلام ألا ينقطع، أملاً في سماع خبر آخر عن عادل الذي غدى «شهيداً». وما أن بدأ الليل في التلاشي، حتى تلقت اتصالاً من الشرطة، يفيد بوفاته، بعد أن تم التعرف عليه من خلال الوثائق الموجودة في حوزته. كان عادل عائداً من بيت أخواله في بلدة العرامية، قبل أن يقتاده أحد الإرهابيين المشاركين في الجريمة التي وقعت في بلدة الدالوة تحت تهديد السلاح، وأجبر على ترك المركبة التي كان يقودها. وقام الإرهابيون باستخدام المركبة التي كان يستقلها حرابة في تنفيذ الجريمة. وهي من نوع «فورد» رصاصية اللون. فيما وجد عادل مقتولاً في بلدة المزاوي بطلق ناري اخترق رأسه وخرج من رقبته ، بعد أن سُكبت مادة الأسيد الحارقة على وجهه، ليطفئوا آخر رمق للحياة فيه. ويتردد أن هذه المركبة، تعود إلى أحد أصدقاء عادل، إذ كان ينوي إصلاحها بجوار منزله، ليتفاجأ في طريق عودته بالمجموعة الإرهابية التي قتلته، ووضعته داخلها من أجل استخدامها في عملهم الإرهابي. فيما كان عادل «الشاهد الأول» على هذه «الجريمة» الإرهابية، بعد أن رافقهم ك «أسير» أو «رهينة». كما كان «الشاهد الأخير»، بعد أن تخلصوا منه بالحرق والرصاص، وتركوه داخل مركبته بجوار إحدى المزارع القريبة من مكان الحادثة، كآخر ضحايا هذه الجريمة.