بنبرات صوت تنم عن حزن عميق متغلغل في جوفه، عبّر أبوسعد، الذي يقطن شقة متواضعة بالإيجار في أحد أحياء الطائف، عن معاناته في مواجهة حياته غير المستقرة والمملوءة بصور من المآسي التي أثقلت كاهله. ويقول الكفيف أبوسعد: «فقدت بصري في السابعة من عمري جراء إصابتي بمرض غامض، وشرعت في عمليات بحث موسعة عن علاج داخل المملكة وخارجها، وترددت كثيراً على المستشفيات المتخصصة في العيون، إلا أني لم أعثر على علاج، فآمنت بالقضاء والقدر ورضيت بما كتبه الله لي». ويضيف: «أمام هذه المشكلة التي اعترضت طريقي في سن باكرة، ولا سيما أنها تتعلق بحاسة البصر التي تعد أهم الحواس الخمس إطلاقاً، آليت على نفسي آلا أستسلم أو أندب حظي، فتغلبت على هذا الجرح الغائر في نفسي والتحقت بالمرحلة الابتدائية في سن ال14، وتمكنت ولله الحمد من مواصلة مشواري التعليمي بلغة برايل حتى أكملت المرحلة الجامعية». مضى الكفيف المثابر يشق طريقه بروح طموحة لا تعرف الكلل والملل، فالتحق بوظيفة في مجال التعليم وأكمل نصف دينه. ولا يخفي أبوسعد أن كل نجاح حققه كان أشبه بولادة قيصرية لأنه كفيف، «التطورات التي حدثت في حياتي، إضافة إلى كسر أصبت به في الفخذ الأيمن تطلب علاجه مبالغ مادية دفعتني إلى تحمل الكثير من الديون». لم يكد أبوسعد يعتاد على حياته مع فقد البصر وتراكم الديون، حتى كشرت الدنيا أنيابها له، إذ رزق بطفلتين معوقتين: «الكبيرة سميتها لمى وتبلغ من العمر أربعة أعوام، وهي لا تستطيع الحركة إلا بواسطة كرسي، كما أنها لا تستطيع التحكم في حركة الرأس والرقبة، وعند فحصها اتضح عدم قدرتها على الجلوس أو الوقوف والمشي، وتعاني من ضعف عام بعضلات الجسم والرقبة والأطراف العلوية والسفلية، وتضخم في حجم الرأس واستسقاء دماغي والتهاب في السائل النخاعي، ما أجبر الأطباء على إجراء جراحة لتركيب جهاز داخلي دائم في الرأس يمتد إلى البطن لتصريف سائل الدماغ». ويتابع: «أما شقيقتها سيلا فللتو أكملت عامها الأول، وهي تعاني من تشنج في عضلات الأطراف الأربعة، وضعف في عضلات العمود الفقري، وتأخر في النمو الحركي ناجم عن استسقاء في المخ منذ الولادة، ويبدو ذلك واضحاً حتى في تصرفاتها، فهي لا تهدأ في فراشها إلا بعد تناول الأدوية المنومة». لا تتوقف مآسي أبوسعد على إعاقته وإعاقة ابنتيه، فالأمور المادية مغرقة في السوء، بل إنها سبب في عدم استقرار الأسرة التعيسة، فرب الأسرة دائماً ويده على قلبه خوفاً من الطرد أو الإبعاد، «أسكن بيتاً مستأجراً بمبلغ سنوي 18 ألف ريال، ولديّّ عاملة في المنزل لمساعدتنا في توفير حاجات الطفلتين، كما يوجد لدي سائق لإيصالي إلى العمل وأسرتي إلى المستشفيات، والبنك يستقطع من راتبي مبالغ كبيرة، ولا يكاد يبقى لي إلا ما يكاد يسد جوعنا بعد سداد راتب العاملة والسائق، وديوني تجاوزت ربع مليون ريال». ويتمنى أبوسعد من المسؤولين في هذه البلاد المباركة والقائمين على الجمعيات الخيرية وفاعلي الخير مد يد العون له وأسرته، ومساعدتهم للتغلب على الظروف المأسوية التي تضغط على حاضرهم وتهدد مستقبلهم.