حوّل مغردون بعض صفحات «تويتر» إلى أستوديو تحليلي لمدة ثلاثة أيام، يناقش ويختلف ويتفق ويسخر ويترقب النتيجة النهائية للتراشق بين الكاتب والإعلامي محمد السيف المتخصص في كتابة السير مع المندوب الدائم للسعودية لدى «يونيسكو» الكاتب زياد الدريس. بدأ السيف السجال بنشر قصاصة أرشيفية من صحيفة «المسلمون الدولية»، التي توقفت عن الصدور عام 1998م، تحوي مقالة للدريس بعنوان: «نفي المكيافيلية عن جميع الإسلاميين غباء وتعميمها جريمة»، وكانت رداً على تركي الحمد. «زياد الدريس يرد على تركي الحمد في شأن الإسلاموية، ويصفه بأنه من الذابلين ذوي الأصابع المطفأة!» أعلن انطلاقة السجال ضمن وسم «غرد كأنك بالثمانينات»، عُرف السيف في تويتر بأنه «قاطع لكل شك حول أية معلومة تاريخية» يُخطئ فيها المغردون. رد عليها الدريس مدافعاً بقوله: «أستاذ محمد لو أردت الإنصاف، لوجدتني ذممت وامتدحت الدكتور تركي الحمد، لكنك اخترت العبارة التي تخدم هدفك فقط، ومن الذي سيقرأ النص كله!»، مبشره بأن أرشيف كتاباته خلال ال30 عاماً الماضية مليء بالهفوات والزلات الكبيرة. ومن هنا انطلقت ما يزيد على 40 هجمة مرتدة من السيف طوال 3 أيام متتالية. وهنا تدخل الناقد والمؤرخ الثقافي حسين بافقيه، مشككاً في توقيت التغريدة قائلاً: «أرجو ألا تكون محاكم تفتيش»، وبغض النظر عن توقيت التغريدة التي تأتي ضمن مرحلة يتصاعد فيها السجال بين مؤيدي الإخوان ومعارضيهم في الخليج عقب سقوط الإخوان في مصر، والتي جاءت مصادفة أيضاً لليلة إعلان تركي الحمد في مساء اليوم الثاني عودته للكتابة قريباً عبر صحيفة «العرب اللندنية»، إلا أن السيف استغرب من تشكيك بافقيه له، معتبراً أنها جاءت كعادته مغرداً بمواضيع تاريخية وأرشيفية، وبذلك اتضحت الصورة لبافقيه، بحسب قوله. واعتبر السيف أن الأرشيف الصحافي جزء من تاريخنا الفكري والثقافي، مستغرباً من مطالبة الدريس له بالإنصاف، وهو يريد أن يغيّب جزء وجه آخر، مضيفاً: «التاريخ يقول إن كنت مندوباً للمملكة اليوم في اليونيسكو، فقد كنت مندوباً للإسلاميين في الصحافة السعودية!»، وما كان من بافقيه الذي انسحب باكراً، بعد أن اعتبر أن السيف تجاوز الأرشفة، بعدما أجابه بأنها استنتاجات من أرشيف صحافي موجود، وبذلك ينسحب بافقيه الذي لا يسمح له «المسجالان» بالاقتراب من أحدهما إلا وأصابته لكمة «طائشة!»، وفق قوله، فيما رأى الدريس أن بافقيه غير مقتنع بنزاهة السيف، واصفاً إياه ب«مؤرخ ثقافي غير مؤدلج». ويشتد السجال عندما شكك الدريس في أهدافه من نشر هذه القصاصة، وألا يوظفها السيف لتصفية «حسابات نتنة»، رد عليه السيف مدافعاً، وقال إنه لم يكن في يوم من الأيام زميلاً لمندوب المملكة الدائم لدى «اليونيسكو» زياد الدريس. ليتساءل بعدها: «هذه كل معرفتي بك، فكيف أصفي حسابات معك؟ ولو كان الموضوع كما تتوهم لطرحت عليك السؤال الذي يتم طرحه كثيراً في مجالس المثقفين، وهو ما المؤهلات التي جعلت منك مندوباً في اليونيسكو، وتخصصك مختبرات؟»، والذي رد عليه الدريس متأخراً: «مؤهلاتي هي التي جعلتك تعكف منذ أسبوع تنبش عن مقالاتي وآرائي في 30 سنة ماضية»، ليتساءل السيف عن حنق الدريس في تسليط الضوء على أرشيفه إن كانت مقالاته هي من أهلته ل«اليونيسكو». فيما لم ينو الدريس العودة إلى السجال من جديد، إلا أن أسئلة السيف استدعته الإجابة، معترفاً في البداية بأنه ليست بينهما «تصفية حسابات»، وبذلك تبدأ جولة أخرى من السجال، بدأ فيها الدريس بوصف مجتمعنا بأنه تغشاه موجة «تصفية»، ملمحاً إلى انعكاسات سقوط الإخوان في مصر على مثقفي الخليج، ولم يكمل إلا وقاطعه السيف: «هذه ليست مسؤوليتي، ولا تحملني أوزارها. هذه الموجة هي نتيجة صراع كما تعلم بين كُتاب وطنيين وآخرين إسلاميين يدعون الوطنية وولائهم للمقطم!»، مضيفاً: «تخيّل كاتباً ورمزاً كان قبل عام يقول إن الله بعث ملكاً مع مرسي يُسدده، ولما سقط مرسي لجأ للأحلام والأوهام، وأصبح يروج لحُلم يبشر بقرب سقوط السيسي!»، ملمحاً إلى تغريدة كتبها الشيخ سلمان العودة. واستطرد السيف استشهاداته حتى وصف الدريس ب«محدود الأفق»، فيما تمالك الدريس أعصابه، معدداً الكثير من الأسماء التي دعاها لليونيسكو بمختلف جنسياتهم ودياناتهم، متجاهلاً السيف عمله ذلك باعتباره عملاً إدارياً كُلف به وفق قوله: «مصلحتك الشخصية تقتضي منك ألا تكشف عن الوجه الذي تخفيه عنا. وضيق أفقك لا نستمده من خلال عمل إداري تقوم به، إنما من خلال متابعة ورصد نتاجك منذ الثمانينات وإلى اليوم». واختتم الدريس السجال بانسحابه منه بعد أن أورد أنه رفض مساعدة صديق اتصل به عارضاً عليه إمداده بمعلومات عن السيف تنقله من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وقال ختاماً: «انسحابي من النقاش سيجعل جمهورك يعلن الفوز لك وسيحملونك على أكتافهم، لا بأس هذا أهون عندي من أن أحملك أنا على أكتافي!»، مباركاً له «البطولة». فيما عرض السيف على الدريس استعداده لجمع مقالاته، التي هاجم فيها الحداثة والتنوير كونها جزءاً من تاريخ الحداثة المضاد، ونشرها عبر «دار جداول» التي يشارك في إدارتها السيف، مضيفاً: «لا لأثبت لك أنني واسع الأفق! إنما لأكشف للأجيال مقالاتك التي تحاول أن تخفيها عنهم، فهل أنت موافق على هذا العرض»، واختتم السيف السجال ب20 تغريدة أخيرة، وصف فيها أسلوب الدريس ب«الصحوي». فيما تعالت أصوات المحللين المتابعين لذلك السجال، وانقسموا بين مؤيدين ومعارضين، فاعتبر محمد الكنعان أن ما حدث ليس سجالاً فكرياً قائلاً: «ليس سجالاً فكرياً إنما هو أقرب ما يكون محاولة إدانة لزياد الدريس لخلفيته الدينية»، ووصفت عضو الشورى لطيفة الشعلان هذا الحوار بأنه أشبه «بمسلسل أكثر دراماتيكية وتشويقاً من المسلسلات التركية، وأهل «تويتر» ينتظرون حلقاته المتتابعة يومياً، فهو حافل بالآكشن»، وقال ناصر القحطاني: «من الملاحظ على ردات الفعل في خصوص حوارات السيف والدريس هو رومانسية المتابعين وكأن ما يحدث هو خرق للعادة الثقافية في الوسط المحلي أو العربي». من جهته أوضح السيف ل«الحياة» أن كثيراً من الكتّاب والمثقفين مروا بتحولات فكرية، أعلنوا عنها وفسروا أسباب التحولات تلك، وهؤلاء لا يخشون من نبش أرشيفهم، لكن حينما يظهر هذا المثقف أو ذاك بوجه يخالف قناعاته الفكرية، أو يمر بمرحلة تحول، فإنه لن يُسر بنبش أرشيفه ونشر سابق مقالاته وأقواله.