بعد وقت قصير على تعيين عالِم فضاء من «الوكالة الأميركية للفضاء والطيران» (ناسا) الدكتور عصام حجّي، مستشاراً علميّاً لرئيس الجمهورية، بادر إلى طرح فكرتين أثارتا نقاشاً مصريّاً واسعاً: إنشاء مجلس يضم جميع علماء مصر كافة، وتضمين الدستور المصري (قيد المناقشة) نصوصاً قويّة لدعم العلوم وبحوثها وعلمائها. وشغر منصب المستشار العلمي للرئيس عام 1981، بعد استحداثه على يد الرئيس الراحل أنور السادات عام 1979. وفي تلك السنوات، شغل هذا المنصب عالِم الفضاء المصري الشهير فاروق الباز الذي عمل في «ناسا» أيضاً. وأثارت فكرتا حجّي حول الدستور ومجلس العلماء ردوداً متباينة. الإرادة السياسية أولاً ورحب رئيس «المركز القومي للبحوث» الدكتور أشرف شعلان بالفكرة، لكنه تحفظ عن إنشاء مجلس للعلماء مُشيراً إلى وجود مجالس مشابهة كثيرة. وشدّد شعلان على وجود مشاكل يعانيها البحث العلمي، مبدياً استعداد «المركز القومي» لتقديم رؤاه عن حلولها، ومُشيراً إلى خبرة متراكمة لدى المركز منذ إنشائه في العام 1956. وأعرب عن قناعته بأهمية توافر إرادة سياسية للاستفادة من الخبرات العلميّة المصرية. في سياق متّصِل، رحّب الدكتور ماجد الشربيني رئيس «أكاديمية البحث العلمي» بتعيين «شاب نابغة من علمائنا في الخارج» في منصب المستشار العلمي، مبدياً تفاؤله بأن حجّي يملك خبرات علمية تستطيع أن تعطي «دفعة قوية للبحث العلمي في التصدي لمشكلات المجتمع». وأثنى الشربيني على فكرتي حجّي، مشيراً إلى علاقتهما أيضاً بمشاكل المياه والفقر والجهل التي «يجب محاربتها بالبحث العلمي مدعوماً بنص دستوري ملائم». وشدّد على أهمية الإرادة السياسية، معتبراً أن مجلس العلماء «يمكن أن يتّخذ طابعاً استشارياً في رسم السياسات وتحديد الأولويات المتّصلة بحاجات المجتمع». وأشار الشربيني إلى أن المجلس المقترح يختلف عن «المجلس الأعلى للعلماء» الذي أنشئ عام 2007، مشدداً على الطابع التنفيذي للمجلس الأخير لأن صفوفه تضمّ 8 وزراء، إضافة إلى رئيس الوزراء. وطالب مدير «صندوق دعم العلوم والتكنولوجيا» الدكتور محمود صقر بأن يوضح المستشار حجّي رؤيته عن تطوير منظومة البحث العلمي. وأشار إلى وجود مجالس كثيرة للعلماء مثل «المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا» الذي تأسس عام 2007، ويضم نخبة من العلماء كأحمد زويل وفاروق الباز ومجدي يعقوب ومصطفى السيد وغيرهم. وأوضح أن هذا المجلس يرسم سياسات العلوم والتكنولوجيا في مصر بصفة عامة، لتتولى بعد ذلك «أكاديمية البحث العلمي» (أنشئت عام 1971، وتضمّ مجموعة من المجالس العمليّة المتخصّصة) صوغها في برامج تنفّذها الجامعات ومراكز البحوث. وأشار إلى دور «صندوق العلوم والتكنولوجيا» في تمويل البحوث، وهو أنشئ عام2007. ولفت إلى وجود مجالس علميّة استشارية متخصّصة تدعم أيضاً منظومة البحث العلمي. سؤال وتوضيح في المقابل، طرح صقر سؤالاً عن طريقة الاستفادة من علماء مصر في المهجر. وقال: «كنت مسؤولاً عن برنامج «الطريق إلى نوبل» في المركز القومي للبحوث، هناك أرقام متضاربة عن عدد العلماء المصريين في المهجر، تتراوح بين 20 ألفاً و10 آلاف. وإذا قدّم كل منهم منحة دراسية للماجستير والدكتوراه لخريج نابه من جامعات مصر، نحصل على آلاف العلماء الشباب في سنوات قليلة. وكذلك يستطيع علماء المهاجر الارتقاء بمستوى البحوث داخل مصر عبر مراجعتهم لهذه البحوث وكذلك إشرافهم على رسائل الماجستير والدكتوراه». ونبّه إلى عدم الحاجة إلى مزيد من المجالس العلميّة، مُشيراً إلى أن مصر تأتي في المركز ال 41 في البحث العلمي عالميّاً. وذكّر بأن الرئيس جمال عبدالناصر أنشأ «المركز القومي للبحوث» في 1956 وكان يتبع رئيس الجمهورية مباشرة، «ما يعني أن تعيين مستشار علمي للرئيس يمثل عودة للطريق الصحيح». ولم يقبل فكرة تضمين حجّي الدستور مادة تخصّص نسبة معيّنة من الدخل القومي للبحث العلمي، معتبراً أن هذه الفكرة هي «خلط للأمور»، لأن هذه النسبة يمكن تحديدها من السلطة التنفيذية ولا تحتاج نصّاً دستورياً. في هذا الصدد، أوضح المستشار حجّي أنه يعتزم التركيز على البحث العلمي والتعليم، من دون التطرق إلى السياسة، معتبراً أن دوره يقتصر على تقديم استشارات علمية لرئيس الجمهورية، ما لا يتعارض مع دور جهات علميّة أخرى. وذكر أن مقترح وضع مادة في الدستور عن حصة البحث العلمي في الموازنة العامة، يسعى لإرساء الاقتصاد المصري مستقبلاً على أسس التعليم والبحث العلمي. وبيّن حجّي أن مجلس علماء مصر المقترح يضمّ علماء مصريين من الخارج والداخل، ويجتمع لدراسة قضايا علمية مهمة كالمياه. ومع جعل رئيس الجمهورية رئيساً للمجلس، تصبح توصياته نافذة، مع ملاحظة أن المستشار العلمي للرئيس يجب أن يكون الأمين العام للمجلس، ويختار أعضاءه، ما يجعله مجلساً مختلفاً فلسفياً واستراتيجياً عن المجالس الأخرى. من المريخ ومياهه إلى مكافحة التخلّف العلمي يشغل عالِم الفضاء المصري عصام حجي منصب أستاذ علوم الفضاء في جامعة باريس في فرنسا، إضافة إلى كونه عالِماً في وكالة «ناسا»، إذ يعمل في «مختبر الدفع النفّاث» التابع للوكالة، تحديداً في قسم التصوير بالرادار، الذي يشرف على مهمات علميّة في اكتشاف كواكب المجموعة الشمسية. وحاضراً، يشرف حجّي على فريق علمي يعمل في إطار مشروع للبحث عن الماء في المريخ، إضافة إلى مشاركته في تدريب رواد الفضاء. وفي لقاء مع «الحياة»، توقّع هذا العالِم الشاب أن يشعر المواطن المصري بتحسن ملموس في الظروف المعيشية في فترة قريبة، «إذا بدأنا التحرك الآن بشكل علمي. تأخّرنا كثيراً في الأخذ بأسباب العلم، ولا يجب الانتظار أكثر». وأضاف أن مصر في هذه الفترة «تعاني التباساً في تحديد الأولويات»، معتبراً أن «الأسس الحقيقية للدولة هي العلم والعدل والعمل، ورسم خريطة تعليمية لمصر يجب أن يسبق رسم خريطة سياسية لها». ولفت إلى أن «التسييس والاستقطاب اللذين يعيشهما المصريون أكبر خطر، لأنهما يحجبان عنهم عدوهم الحقيقي وهو الجهل والفقر وتلوث البيئة والعلاقة المختلة بين الرجل والمرأة»، مؤكداً أن الأميّة في مصر تلامس ال 40 في المئة. وأوضح حجي أن هناك 16 مليون طالب «لا يتلقّون تعليماً متقدّم الجودة، ما يساهم في أزمة بطالتهم لاحقاً»، مشيراً إلى معاناة التعليم الحكومي من التهميش سنوات طويلة. رحلة إلى «ناسا» وأوضح حجّي أن رحلته إلى «ناسا» بدأت بصناعة الطائرات الورقية في المرحلة الثانوية، ثم التحاقه بقسم الفلك في كلية العلوم في جامعة القاهرة التي تخرج منها عام 1997. وفي 2002، حصل من «جامعة باريس» على دكتوراه في اكتشاف الكواكب والأقمار. ثم عُيّن أستاذاً مساعداً في علم الفضاء في «جامعة باريس»، وبعدها انتقل للعمل في وكالة «ناسا». وشارك حجي في بحوث اكتشاف المياه في المريخ التي تنبع أهميتها من أنها تقدّم فهماً لتطوّر كوكب الأرض ومياهه ومتغيّرات مناخه من منظور تطوّر المجموعة الشمسيّة. وأشار إلى أن ذوبان الجليد في القطب الشمالي فتح طريقاً جديدة بين أوروبا وآسيا طولها 11 ألف كيلومتر، لكنها تصلح بديلاً من الطريق التقليدية التي تمرّ بقناة السويس، كما أنها بعيدة عن ظاهرة القرصنة في مياه الصومال. وأشار إلى أن زيادة الحرارة في مناخ مصر بمقدار درجة، تؤدي إلى انخفاض محاصيلها ب 10 في المئة، كما يؤدي ارتفاع مياه البحر المتوسط إلى انخفاض خصوبة أراضي الدلتا بأثر زيادة الملح فيها. وتناول حجّي مشكلة «سد النهضة» الذي تعتزم أثيوبيا تشييده على النيل، ما يخفض حصة مصر من مياهه، معتبراً أنها تحتاج حلولاً علميّة تمنع تأثيره في التنمية في مصر. ووعد أن تكون أولى زيارته الخارجية كمستشار علمي للرئاسة المصرية، إلى أثيوبيا. واعتبر أن ترشيد استخدام المياه ومنع الهدر وتطوير الريّ، تخفّف من تأثيرات «سد النهضة». ولاحظ وجود هدر للمياه مقداره 5 بلايين متر مكعب سنويّاً، وأن اختفاء مهنة المرشد الزراعي عام 1982، قلّل من وصول المعلومات العلميّة إلى الفلاح المصري. واستعاد مشاركته في بحوث فرنسية عن المياه في الصحراء الغربية المصرية، مشيراً إلى وجود مخزون استراتيجي للمياه فيها. إشكالية البحث العلمي وأعطى المستشار حجّي رأيه في الخلاف الناشب بين جامعتي «زويل» و»النيل» والذي وصل إلى ساحات القضاء، معتبراً أنه خلاف أضرّ بصورة الباحث العلمي، داعياً إلى إنهائه بشكل ودّي، بل مُبدياً استعداده للتدخل والتقريب بين وجهات النظر، وإيجاد حلول له. وأبدى حجّي أسفه لحال البحث العلمي في مصر، معتبراً أنه ما زال مهمشاً كأن لا دور له، و»لابد من وضع دور للعلم كما بدأ يحدث في معظم البلاد العربية، على غرار «مؤسسة قطر التعليمية». يجب ألا ننسى أن العرب أنشأوا علوم الطب والجبر والهندسة، وهناك اتجاه عربي لاستعادة هذا الدور من خلال الاهتمام بالبحث العلمي في دول منها السعودية والإمارات والكويت وقطر والأردن. أعتقد أن السنوات العشر المقبلة سوف تشهد طفرة في الاهتمام بالعلوم بالوطن العربي. ويبدي الشباب العربي شغفاً بالعلوم، ما يوجب إيجاد مؤسسات تحتضنهم. اعتبِر هذا الأمر شرطاً لحدوث تطور في الصناعة والزراعة، بل التنميّة بعمومها في العالم العربي». ورأى أن «حال التعاون العلمي بين البلاد العربية أفضل من تعاونها سياسياً»، معتبراً أنه وسيلة جادة لتقليل حدّة النزاعات بين الدول العربية. وأشار حجّي إلى الحديث عن عمل الرئيس المصري السابق محمد مرسي مستشاراً في وكالة «ناسا»، موضحاً أن عدد العاملين في الوكالة لا يتجاوز 14 ألفاً، «ما يعني أن إدارة شؤون العاملين فيها تستطيع إعطاء معلومات دقيقة عن هذا الأمر»، ومُشيراً إلى أن كل من يعمل في «ناسا» يحصل على بطاقة شخصية تضم بياناته كلها. واختتم كلامه ضاحكاً: «إذا كان لدى مرسي مثل هذه البطاقة، فليظهرها لنا»!