ينسج الرئيس الإيراني سجادة عهده من خيوط يمنحه إياها المرشد. حدود الصلاحيات شديدة الوضوح. الرئيس هو كبير الموظفين المنتخبين في عهد المرشد. هاشمي رفسنجاني لم يستطع خرق قواعد اللعبة على رغم رصيده لدى مفجر الثورة. محمد خاتمي دفع ثمن محاولة إدخال خيوط لا تحمل بوضوح ختم صاحب الكلمة الأخيرة. أحمدي نجاد تعلم الدرس على رغم محاولة استقوائه برصيده في الحرس. حاول مير حسين موسوي استعارة خيوط سجادته من الناس فمُنع من الدخول. للمرشد وحده الكلمة الفصل في شؤون القنبلة والدور والعلاقة مع «الشيطان الأكبر»، وانتخابات الرئاسة تنافسٌ داخل البيت وتحت عباءة المرشد. لعبة الأدوار الإيرانية شديدة التعقيد. السباحة بين الإصلاحيين والمتشددين والمعتدلين تستلزم الكثير من الحذر. الأمر نفسه بالنسبة إلى قراءة نفوذ رجال الدين واصطفافاتهم وجنرالات الحرس وتصريحاتهم. حسن روحاني ابن شرعي للثورة ونظامها. شريك في أيام الجمر الأولى وشريك في أبرز الهيئات والملفات. في الجوهر يستطيع قول ما كان يقوله أحمدي نجاد، لكن بطريقة أخرى تغطي الموقف بابتسامة ومن دون إشهار القبضة أو شارة النصر. يستطيع العثور على ألفاظ أقل خشونة واستفزازاً، لهذا سمي «الشيخ المفاوض». شق روحاني طريقه إلى القصر شاهراً كلمة الاعتدال. اختار المفتاح رمزاً لحملته. كأنه أراد الإيحاء بتكاثر الأبواب المغلقة وحاجة إيران إلى فتحها. ولأن الديموقراطية مطبوخة في إيران بالألوان المحلية، قال كثيرون إن روحاني ما كان ليفوز من الدورة الأولى لولا مباركة المرشد. قبل توجهه إلى نيويورك أطلق روحاني مجموعة رسائل في أكثر من اتجاه. موجز الرسائل أنه ليس أحمدي نجاد، لا في موضوع الملف النووي ولا في موضوع المحرقة ولا في موضوع العلاقات الدولية والإقليمية. زمن أحمدي نجاد كان زمن الفتوحات وتحريك البيادق واختراق النسيج هنا وهناك. روحاني يتحدث عن «الانخراط البناء» وعبثية النزاعات الدموية، ويعرض الوساطة في سورية ويقترح معالجة الأزمات بعقاقير الحوار والمصالحة الوطنية. سيخطف روحاني الأضواء في نيويورك، سيطارده الصحافيون وسيراقبه الديبلوماسيون والخبراء. سيتوقفون طويلاً عند مفردات خطابه وتصريحاته وسيعقدون المقارنات مع المداخلات النارية لسلفه. سيجدون فيه شيئاً من رفسنجاني وشيئاً من خاتمي. سيتحدثون عن نافذة مفتوحة. وضرورة تلقف اليد الممدودة. أو على الأقل اختبار النيات الإيرانية الحالية. وسيسألون ما إذا كان الاعتدال وليد تحول استراتيجي أم أنه حيلة مصارع ولعبة لتحسين الصورة. وسيقول المشككون إنه في ظل ابتسامة خاتمي ودعواته إلى حوار الحضارات والثقافات، واصلت إيران برنامجها النووي وبرنامج انتزاع المواقع في دول المنطقة. التجارب تقول إن المفتاح الفعلي والأساسي ليس روحاني بل المرشد. المهم ليس ما يقوله الأول بل ما يريده الثاني. وهذا يعني طرح السؤال الكبير: هل تغيرت حسابات المرشد أم قرر تعديل تكتيكاته؟ وهنا تكثر الأسئلة. هل اعتبر المرشد أن الوقت حان لإبرام صفقة مع باراك اوباما المتردد كما يبدو أن فلاديمير بوتين قد اختار؟ هل يعتقد المرشد بان إنقاذ الدور الإقليمي أهم الآن من انتزاع الاعتراف بشرعية التخصيب بمعدلات عالية؟ هل دفعته وطأة العقوبات على اقتصاد بلاده إلى التفكير جدياً في تسوية لتجنيب النظام لاحقاً ما هو أدهى من «الثورة الخضراء» التي نجح في خنقها؟ هل يعتقد أن التسوية الآن أفضل منها لاحقاً؟ وهل يشعر أن النزاع السني - الشيعي رسم حدوداً للاندفاعة الإيرانية في الإقليم؟ وهل تستطيع إيران الانتقال فعلاً من منطق تهديد أمن النفط وأمن إسرائيل إلى منطق الانخراط في بناء الاستقرار في المنطقة؟ وما هو الثمن الذي تريده أو تستطيع الحصول عليه؟ وماذا عن حلقات محور الممانعة وهي ليست في أفضل أيامها؟ وهل تجاوز الهجوم الإيراني في الإقليم قدرة طهران على احتمال أعبائه وتكاليفه، ما يمكن أن يهددها بمصير سوفياتي؟ دول كثيرة في العالم والإقليم ستسأل عن كلام روحاني وستسأل عن حسابات المرشد. هذه الأسئلة تعني بقوة بشار الأسد ونوري المالكي وحسن نصرالله. لا شك في أن روحاني لطيف وجذاب ومحاور، لكن السؤال هو: هل تغير المرشد؟ وإذا كان لم يتغير فإن العالم سيقول: روحاني مر من هنا، وكان لطيفا وضعيفاً كمحمد خاتمي.