دقائق شديدة الخصوصية والسحر والإثارة خطفت العقول والقلوب، وتحرر فيها جمهور تخطى عدده 1200 متفرج من صخب المشهد السياسي المصري باحتدامه واحتقانه وضغوط أزماته، ليخوض رحلة مدهشة في فضاء السيرك المصري الأوروبي. كل شيء هنا مباح ومتاح، يقبل الإضافة أو الارتجال وفق جدول زمني ومكاني محكم التفاصيل، وصارم التفعيل. استطاعت مدربة الوحوش ومديرة السيرك فاتن الحلو، استقطاب فنانين من رومانيا وأوكرانيا وبيلاروسيا وأفريقيا والصين ليقدموا العديد من الفقرات المبهرة. وتنتمي فاتن إلى عائلة الحلو العريقة في فنون السيرك، والتي تعد الأولى التي بدأت هذا الفن في الشرق الأوسط منذ عام 1889 في عهد الخديوي إسماعيل. واستطاعت الشابة الشجاعة أن تأسر الألباب في فقرتها التي قدمتها مع 12 نمراً وأسداً ذكراً وأنثى روضتهم فرضخوا، وأمرتهم فأطاعوا، وأخضعتهم بنظراتها القوية وإشاراتها الحاسمة وزجراتها بالشوكة الحادة فخضعوا منصتين ورقصوا خاشعين وقفزوا من حلقة نار إلى أخرى في ثبات ومهارة وناموا وزأروا وجلسوا ووقفوا صفاً واحداً وسط تصفيق حاد. اللافت في عرض فاتن أنها تقدم استعراضها على أنغام موسيقى «ماشربتش من نيلها» لشرين عبد الوهاب، و «لو سألتك إنت مصري» لنانسي عجرم، و «تسلم الأيادي» لمصطفى كامل وتفاعل الجمهور بشدة مع العرض حتى أن الأسود ضربت «تعظيم سلام» للثورة المصرية. تؤكد فاتن أن المصريين جميعاً تفاعلوا مع الثورة وشاركوا فيها وهي بدورها شاركت بأسودها ونمورها حيث شاركت في ثورة 30 يونيو ونزلت إلى ميدان القائد إبراهيم بالأسود والميكي ماوس وفقرات السيرك وسارت في المسيرة حتى ميدان سيدي جابر، كما نزلت أيضاً مع الأسود في الشارع وسط الجمهور في مليونية التفويض وشاركت في ميدان التحرير في العديد من التظاهرات المليونية. ترى فاتن أن الحيوانات الشرسة تشعر بفرح وألم صاحبها وتشاركه على رغم وحشيتها. وحول ترويضها للوحوش المفترسة توضح: «التعامل مع الأسود والثعابين ليس كما يعتقد البعض مسألة مخيفة، بل هناك علاقة حميمة تنشأ بين المدرب والحيوانات». وعن أصعب المواقف التي تعرضت لها تقول: «سقطت أختي أثناء إحدى الفقرات وأصيبت بالشلل ووالد زوجي محمد الحلو الكبير لقي مصرعه في حادثة شهيرة بعد أن هجم عليه أحد الأسود وثقب الرئة والكلى ثم مات الأسد نفسه حزناً عليه بعد أيام قليلة». وتضيف: «تعرضت للموت أكثر من مرة، ففي إحدى الحفلات نمت وفوقي ثلاثة أسود وشعرت أن الأسد ينظر إلي بعدوانية فخفت ولم أستطع الحركة وكنت في خطر شديد لأن الحيوانات المفترسة تعرف الإنسان الخائف من رائحته المميزة بسبب زيادة ضخ الأدرينالين في الدم. وكانت العصا في يدي فأخذت أضرب بها على الأرض خفيفاً حتى أدرك زوجي أن هناك مشكلة فأسرع وأبعد الأسود من حولي». وتتابع: «وفي أحد العروض انقطعت الكهرباء فجأة وكنت في القفص مع 15 أسداً ونمراً ولمن لا يعرف هذه المعلومة فان هذه الحيوانات المفترسة ترى في العتمة، ولكن الحمد لله مر الموقف بسلام». وعن مواصفات حيوانات السيرك توضح أن ثمة أنواعاً من الأسود فمنها شديد الشراسة واللطيف والأكثر ذكاء والمدلل والعادي جداً ولكنها كلها قابلة للتدريب وتتجاوب سريعاً. وتتمنى فاتن أن تدعمها الدولة وتوفر لها أرضاً لتشيد مكاناً مخصصاً للسيرك وحيواناته، خصوصاً أن الثورة والانفلات الأمني كان لهما تأثير سلبي على هذه المهنة. على مدى ساعتين ونصف الساعة، يقدم السيرك فقرات تبهر الحضور، منها عرض سبايدر مان والدودة العجيبة واستعراض الشرائط اليوغا، والطوق الهوائي، وفقرة الرقص مع الثعبان، والحبل المعلق والسيف وأقوى رجل في العالم الذي تدهسه عربة ضخمة تمر من فوقه، والقطط الروسية التي قدمت عرضاً فريداً اتسم بالإثارة وخفة الظل.