مددت الاتصالات واللقاءات والمواقف الصادرة خلال اليومين الماضيين فرصة تجديد الحوار بين الرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري والمعارضة حول التشكيلة الحكومية التي تقدم بها الأخير الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان الاثنين الماضي، بعدما قدمت المعارضة أفكاراً «يمكن استخراج عرض منها» كما قال مصدر قيادي معارض ل «الحياة»، الى الرئيس سليمان في لقاء عقدته معه بعد ظهر امس. وعلى رغم ان اجتماع كل من وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل ممثلاً زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، والمعاون السياسي لرئيس البرلمان النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين الخليل على مدى ثلثي الساعة، لم يؤد الى اختراق جدي في أزمة التأليف بعد ان كانت المعارضة رفضت تشكيلة الحريري التي اعتبرتها أوساطه «سخية»، فإن مناخات عدد من القيادات في فريقي الأكثرية والأقلية دفعت في اتجاه التروي واستئناف الحوار، وأبرز هذه القيادات الرئيس نبيه بري من المعارضة ورئيس «اللقاء النيابي الديموقراطي» وليد جنبلاط، فضلاً عن الرئيس سليمان. ولفتت إشارة المكتب الإعلامي في الرئاسة بعد الاجتماع الى انه تم خلاله «التشاور في الشأن الحكومي بغية إيجاد مخارج من خلال إبقاء خطوط الاتصالات مفتوحة في كل الاتجاهات توصلاً الى حلول مشتركة في شأن الحكومة الجديدة». وقالت مصادر رئاسية ان سليمان طلب من الفريقين «عدم اتخاذ قرارات حاسمة تطيح بتأليف الحكومة وأكد عليهما ضرورة الاستمرار في الحوار، خصوصاً ان الاقتراحات غير منعدمة». وعلمت «الحياة» انه حصل نقاش مستفيض بين وفد المعارضة وبين سليمان الذي أكد انه يلعب دور راعي الحوار ولا يقبل تخطي دور الرئيس المكلف أو أن ينوب عنه لأن الدستور ينيط به مهمة تأليف الحكومة. وأفادت معلومات «الحياة» ان الوفد طرح 5 حقائب لتكتل عون النيابي من ضمنها الاتصالات مع إسنادها الى الوزير باسيل. وقالت مصادر مطلعة ان نقاشاً حصل حول توزيع الحقائب بالنسبة الى وزيري «حزب الله»، لكن ممثل الحزب حسين الخليل لم يتعاط معها على انها مستعصية الحل باعتبار ان المشكلة الأساس هي موضوع حصة العماد عون، فيما بدا ان لا مشكلة بالنسبة الى حصة حركة «امل». وقالت مصادر مطلعة ان اتصالاً جرى من قبل التحالف الشيعي مع الرئيس الحريري الذي أبدى استعداداً للقاء المعارضة. وأوضحت مصادر معارضة ل «الحياة» ان الوزير باسيل اشترط ان تكون هناك اجواء ايجابية سلفاً. وقد يقتصر لقاء المعارضة مع الحريري على النائب علي حسن خليل وحسين الخليل. وفيما ذكرت مصادر المعارضة ان سليمان نصح وفدها بالتواصل مع الحريري، حرصت مصادر رئاسية على القول ل «الحياة» ان تأليف الحكومة يتم وفق الدستور «بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف. وإذا كانت الاتصالات الجانبية التي يقوم بها الرئيسان تساعد فلم لا استناداً الى معيار قيام حكومة ائتلافية. وما يمكن قوله الآن ان العملية لم تتقدم لكنها غير مقفلة والسؤال هو اذا لم تتقدم خلال اليومين المقبلين هل نعتبر ان فرصة التواصل قابلة للتجديد أم نعتبرها انتهت؟». وإذ وصفت مصادر الوفد المعارض أجواء اللقاء بأنها إيجابية، قالت انه جرى عرض مجموعة من الأفكار وإن كان لا شيء محسوماً حتى الساعة باعتبار ان رئيس الجمهورية يضع حدوداً لتدخله من اجل حل المشكلة وأن هذه الحدود تبقى في إطار القيام بدور مساعد للتقريب في وجهات النظر، لكنه يرفض ان تنقل المشاورات في شأن تأليف الحكومة سواء بالشكل أم بالمضمون الى بيت الدين وبالتالي يصر على ان تبقى عند الرئيس المكلف. ونقلت المصادر عن سليمان قوله انه يحترم صلاحيات الرئيس المكلف ولن يقوم مقامه في المشاورات وأنه يدعو الى الحوار والنقاش الهادئ للوصول الى تفاهم ما يعني انه مع معاودة الاتصالات بين المعارضة والرئيس المكلف. وأوضح مصدر في «التيار الوطني الحر» ل «الحياة» ان البحث تناول مع سليمان «الخيارات والأفكار الإيجابية المطروحة، والمطلوب معرفته هو ما إذا كان الرئيس المكلف آخذاً قراره بالاعتذار ام لا. وإذا كان مستعداً لمتابعة البحث فالأبواب مفتوحة». وذكر المصدر ان وفد المعارضة قدّم مجموعة أفكار، يمكن استخراج عرض منها. وعما اذا كان الوفد طالب بتوزير باسيل وبحقيبة الاتصالات ل «التيار الوطني» قال المصدر: «الاتصالات حقيبة من بين حقائب عدة، نحن كنا ننتظر ان يقدم الحريري صيغة بالحقائب وهو شاء ان يقدمها مع الأسماء، والسجال الذي جرى أول من امس عما اذا كان ما قام به دستورياً أم غير دستوري أو محقاً او غير محق، صار وراءنا». وأشار الى ان الأمر لا يقتصر على حقائب «التيار الوطني» لأن هناك قضية الأسماء المتعلقة بالحزب والتمثيل الشيعي فضلاً عن المشاكل التي تفجّرت في الأكثرية بالنسبة الى اعتراض «حزب الكتائب». وقال الوزير باسيل من جانبه ل «الحياة»، إن اجواء اجتماع المعارضة مع الرئيس سليمان «كانت ايجابية وهناك تفهم متبادل، وفي النهاية المشكلة ليست مع رئيس الجمهورية بل مع سعد الحريري، وإنشاء الله تنعكس الإيجابية القائمة مع رئيس الجمهورية على الحريري. ونتمنى ان تنعكس التنازلات التي قدمناها تباعاً تنازلات في المقابل وإلا يكون القرار متخذاً من قبله (الحريري) إما بالتعطيل أو بتأخير التأليف وبالتالي الاعتذار لأسباب خارجة عن فهمنا». ورداً على سؤال حول الخطوة العملية المقبلة بعد اللقاء مع سليمان وإذا كان الأخير سيعطي المعارضة جواباً على الأفكار التي قدمتها، قال باسيل ل «الحياة» «هناك اشياء يمكن ان تحصل لاستكمال البحث إذا كانت هناك ايجابيات في المقابل. وإذا لا إيجابيات من قبله (الحريري) وقوبلنا بالتصلب، عندها يكون قد أخذ قراره بالاعتذار ولا نصل الى أي نتيجة». وأضاف: «الموضوع عند سعد الحريري. وكل الأطراف تسعى لتقديم ما يلزم... الرئيس سليمان والرئيس نبيه بري ووليد جنبلاط، ويسعى الجميع الى المساعدة ونحن من جهتنا ساعدنا. والرئيس دخل على الخط معنا في جولتين من البحث ونقل الموضوع الى عند سعد الحريري». وفيما كرر «تكتل التغيير والإصلاح» الذي اجتمع عصراً بغياب العماد عون تحميل الحريري مسؤولية تأخير التأليف وافتعال العراقيل، وأكد في المقابل «انفتاح المعارضة على أي حوار»، فإن مصادر مقربة من الرئيس بري أبلغت «الحياة» انه دخل على خط الدعوة الى التهدئة ووقف التصعيد في موضوع التأليف بعد ان كان ابتعد نظراً الى ان تأثيره على خفض سقف مطالب عون ضعيف، لأنه وجد في التشكيلة التي تقدم بها الحريري عرضاً متوازناً وجدياً وبنّاء ولأنه بقي على تواصل مع النائب جنبلاط وتوافقا على التدخل من اجل دفع الأطراف الى التروي في قراراتهم. وأوضحت المصادر ان بري نصح حلفاءه في المعارضة بتوسيع دائرة النقاش للبحث في خيارات أوسع تتخطى التصعيد الكلامي «فلا نخسر العماد عون ولا نسايره في كل مطالبه». وقالت المصادر ان هم بري هو تجنب العودة الى حالة الاحتقان في الشارع اذا قاد التعقيد الى اعتذار الحريري. وتوقفت الأوساط المراقبة امام قول جنبلاط بعد لقائه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبدالأمير قبلان: «جميعنا علينا ان نقدم تنازلات والشيخ سعد الحريري الذي صحيح انه عانى 70 يوماً (منذ تكليفه) لا بأس إذا كانت مصلحة البلاد تقتضي معاناة بضعة ايام اضافية للوصول الى حل مناسب لتشكيل الحكومة وإيانا ان نخطئ الحساب». وقال: «لا نستطيع ان نلغي التأثيرات الإقليمية وأشدد كما صديقي الرئيس بري على اهمية العلاقة بين السعودية وسورية». وكان منسق الأمانة العامة ل «قوى 14 آذار» النائب السابق فارس سعيد والتي اجتمع اعضاؤها أمس الى الرئيس الحريري وأكدوا تأييدهم لخطوته، استغرب رفض الفريق الآخر وتعنته إزاء ما سموه «سخاء الحريري». وتحدث عن «عرقلة إقليمية يقوم فريق 8 آذار بلبننتها على المستوى الداخلي». ورأى عدد من رموز 14 آذار ان الأخيرة أجحفت في حصتها من الحقائب في تشكيلة الحكومة.