عبرت ذكرى إعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 هذه السنة بخيار عسكري جديد لرئيس أميركي، شمل ضرب سورية بعد الحروب في أفغانستان والعراق وليبيا وقصف باكستان واليمن والصومال بطائرات بلا طيار، قبل أن تجمّد الخيار مبادرة روسية تتعلق بمخزون الأسلحة الكيماوية لدمشق. كما عبرت الذكرى بتخلّي الحليف التاريخي بريطانيا عن مساندة العملية العسكرية الأميركية، وتراجع فرنسا عن تأييدها السريع للعملية مطالبة بتحرّك دولي عبر الأممالمتحدة، ما يشكّل منعطفاً في السياسة الخارجية للولايات المتحدة لا يقل أهمية عن منعطف إعتداءات 11 ايلول ذاتها، حين أيّد العالم «الحرب الأميركية على الإرهاب». العنف هو خيار البيت الأبيض منذ 12 سنة، على رغم عواقب كثيرة لحجة الدفاع عن الأمن القومي للولايات المتحدة، وبينها إنتهاك سيادة بلدان، وتعذيب مشبوهين بالإرهاب أو سجنهم في معتقل غوانتانامو العسكري بكوبا أو أبو غريب في العراق، ونقلهم في طائرات سرية تابعة لوكالة الإستخبارات المركزية الأميركية (سي آي اي). أما النتائج فهي تنديد منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان بتجاوزات واشنطن، وأيضاً زيادة الكراهية العالمية لها. ويروي جندي أميركي سابق في العراق أن معظم المسلحين الذين قُتلوا أو أعتقلوا هناك كانوا يضعون في هواتفهم الخليوية صور تعذيب وإساءات في سجن أبو غريب. ومن النتائج الميدانية أيضاً، تحذير وزارة الخارجية الأميركية مواطنيها السياح ورجال الأعمال من زيارة بلدان عدة، حتى في أوروبا الغربية لتجنّب تهديدات الإرهاب ضدهم. ولا يُستبعد في المستقبل حرمان الأميركيين من رؤية أهرامات مصر وحدائق بابل المعلقة، أو التمتع بشواطئ الفيليبين. وقد يمتد ذلك إلى أماكن أخرى في أفريقيا والشرق الأوسط، علماً أنهم يقعون اليوم ضحية عمليات قرصنة، كما كان يحصل في القرن التاسع عشر. فعلياً، اتخذت واشنطن بمفردها قرارات العمليات العسكرية كلها منذ 2001، وأيّدها الكونغرس دائماً، أو تفادى على الأقل معارضتها، وحتى عبر أعضاء يملكون دراية بعواقب الحملات العسكرية. ولا بدّ من الإشارة إلى أن نائب الرئيس جو بايدن أكدّ حين كان سيناتوراً عام 2007 أن «الرئيس لا يملك حق أخذ الولاياتالمتحدة إلى حرب ضد إيران إلا إذا هاجمتنا، أو إذا إمتلكنا دليلاً على تحضيرها إعتداء ضدنا». والعام الماضي، انتقد بايدن حماسة المرشّح الجمهوري للرئاسة ميت رومني لخوض حرب في سورية، محذّراً من خطرها على المنطقة كلها، فيما غاب كلياً عن الأنظار لدى إعلان أوباما نهاية آب (أغسطس) الماضي نيته التدخل عسكرياً في هذا البلد، ولم يدلِ بأي تصريح حول الأمر. وتجاهلت قرارات الإدارة والكونغرس أيضاً آراء الأميركيين، علماً أن إستطلاعاً جديداً أجري أخيراً حول التدخّل العسكري في سورية، أظهر تأييد 75 في المئة من الأميركيين حلّ الأزمة هناك عبر إتفاق دولي للسيطرة على الأسلحة الكيماوية. من هنا يرى محللون أن تجنّب تدخّل عسكري جديد في سورية قد يغيّر واقع السنوات السيئة ال12 الأخيرة للولايات المتحدة ولسياستها الخارجية، التي تركت آثاراً سيئة ستستمر عقوداً ليس فقط في مجالات العلاقات الدولية بل أيضاً في المجال الإنساني. وقد يوجّه ذلك رسالة إلى إيران تزيل الشكوك حول السلوك العسكري للإدارة الأميركية خلال هذه السنوات، تمهيداً لإنتهاز فرصة تسلّم الرئيس المعتدل حسن روحاني السلطة في إيران، والتي اعتبرها أوباما «دلالة واضحة على تعطّش طهران لمحاورة المجتمع الدولي بطريقة أكثر إيجابية». وربما يشكّل ذلك مؤشراً مهماً الى إمكان سلوك واشنطن طريقاً مختلفة في الشرق الأوسط والعالم، ويوفر معنى جديداً لذكرى إعتداءات 11 أيلول في السنوات المقبلة، على صعيد اعتبارها مجرّد محطة مآسٍ طواها التاريخ.