في المنطقة الواقعة أمام الأذن تلتقي عظمة الفك السفلي مع عظام الجمجمة لتشكل ما يعرف بالمفصل الفكي الصدغي الذي يعتبر من أكثر المفاصل تعقيداً في الجسم، وهو مفصل شديد المرونة يتيح تحريك الفك إلى الأسفل والأعلى، وإلى اليمين واليسار، أثناء الكلام أو تناول الطعام أو البلع أو التثاؤب. ويقع المفصل الفكي الصدغي في منطقة حساسة للغاية تتشابك فيها الأعصاب التي تغذي الأذن وما حولها، ما يجعلها أحياناً محطة لأحداث ساخنة تكون مصدر إزعاج شديد. ويمكن المطبات الصحية التي تقع في منطقة المفصل الفكي الصدغي أن تجعل المريض يدور في دوامة ينتقل فيها من طبيب الأذن والأنف والحنجرة، إلى طبيب الأعصاب، إلى طبيب العيون، إلى جرّاح العظام، وطبيب الأسنان، وفي كثير من الأحيان يُنصح بالتوجه إلى المعالج الفيزيائي، لكن من دون الوصول إلى نتيجة تدله إلى سبب معاناته. ومن بين أهم المطبات الصحية التي تضرب المفصل الفكي الصدغي الآلام التي لا تطاق أحياناً إلى درجة أن المريض لا يستطيع التكلم أو الأكل أو حتى فتح فمه، وقد تشع تلك الآلام في اتجاهات عدة، كالأذن والرقبة والرأس والعين. وتصيب آلام المفصل الفكي الصدغي الرجال والنساء إلا أنها تميل بأربعة أضعاف أكثر عند الجنس اللطيف، خصوصاً عند المراهقات والنساء من الفئة العمرية 20 إلى 40 سنة. ما هي مسببات آلام المفصل الفكي الصدغي؟ في الواقع هناك مسببات عدة لهذه الآلام، وقد تتداخل هذه المسببات مع عوامل محفزة وأخرى مهيئة لها، الأمر الذي يزيد الطين بلة، وربما تعرقل من عملية الشفاء، ومن أبرز مسببات آلام المفصل الفكي الصدغي: 1- العادات الفموية السيئة، مثل شبك الأسنان وسحقها وفتح الفم الزائد وسوء إطباق الأسنان، إذ تؤدي مثل هذه العادات إلى فرض ضغط شديد على المفصل وملحقاته. 2- التعرض لإصابة مباشرة على المفصل، كاللكمة أو الكدمة أو الصدمة. 3- الجروح والتمزقات التي تطاول عضلات الوجه والرقبة. 4- انزلاق مفصل الفك. 5- الإفراط في عملية مضغ الطعام أو مضغ اللبان. 6- انزلاق مفصل الفك. 7- التهاب مفصل الفك. 8- الضغوط النفسية التي تجعل المصاب يشد أو يضغط على عضلات وجهه وفكه، ما قد يدفعه إلى الضغط على أسنانه بقوة. 9- الأوضاع السيئة أثناء الجلوس، خصوصاً أثناء استعمال الكومبيوتر، وأثناء النوم، فهذه الأوضاع تسبب تشنجاً في عضلات العنق والعضلات المساهمة في عملية المضغ. 10- النمو غير المتناسق الذي يؤدي إلى عدم الانسجام بين الفكين العلوي والسفلي. 11- اهتراء الغضروف الموجود في المفصل الفكي الصدغي بفعل الشيخوخة. لقد ظهرت نظريات كثيرة حول الآلام التي تضرب المفصل الفكي الصدغي، فالبحوث الحديثة على المصابين أشارت إلى تضاؤل السوائل الطبيعية التي تبقي سائر المفاصل طرية لينة الحركة. أيضاً وجد الباحثون تراكيز عالية من ناقلات الألم وأنزيمات ومواد التهابية في مفاصل الفك لدى المرضى. وهناك علماء يتهمون الهورمونات الأنثوية بأنها الشرارة التي تطلق العنان لآلام مفصل الفك، من هنا كثرة إصابة النساء الشابات بالمرض. وآلام مفصل الفك قد تكون موقتة عابرة أو قد تكون دائمة، وتختلف حدتها وشدتها وفق درجة الإصابة، وقد تمتد هذه الآلام إلى مناطق مجاورة لمفصل الفك، كالرقبة والأذن. ويمكن المصاب أن يعاني من آلام الفك لسنوات طويلة قبل أن يلتمس العلاج. وهناك عوارض أخرى قد ترافق آلام مفصل الفك، أهمها: - الشعور بضعف في مفصل الفك أو في الوجه أو الرقبة أو الكتف. - صعوبة فتح الفم أو اغلاقه. - صعوبة في انجاز عملية المضغ. - عدم القدرة على فتح الفم بشكل واسع. - سماع أصوات طقطقة عند فتح الفم أو إغلاقه. - ظهور تورم في أحد جانبي الوجه أو في كليهما. - عوارض أخرى مثل الصداع، ووجع في الأسنان، وألم في الرقبة، ودوخة، وألم في الأذن، وطنين، وتشوش في السمع. - عدم التناسق في تراصف الأسنان العلوية مع الأسنان السفلية أثناء عملية العض أو المضغ. - عدم القدرة على إطباق الفم أو إغلاقه كاملاً في بعض الحالات القاسية. وفي الحالات الأكثر عنفاً قد لا يستطيع المريض إطباق فمه وإغلاقه بالكامل. ويتم تشخيص آلام المفصل الفكي الصدغي اعتماداً على العوارض والتاريخ المرضي، وعلى الفحص الطبي، والفحوص الشعاعية. ومن المهم الوصول إلى التشخيص الصحيح للسبب المؤدي إلى آلام مفصل الفك وبالتالي تقديم العلاج المناسب، مع الأخذ في الاعتبار أن هناك حالات لا يمكن التوصل فيها إلى السبب الفعلي. وفي شكل عام، فإن آلام مفصل الفك نادراً ما تشير إلى مرض خطير، والعلاج قد يتطلب التعاون الوثيق أحياناً بين أكثر من طبيب من أجل وضع حد لمعاناة المصاب. وفي خضم البحث عن السبب الذي يقف خلف آلام مفصل الفك، لا بد من التخفيف من وطأة آلام المفصل باتخاذ بعض الإجراءات الفورية التي غالباً ما تعطي ثمارها على هذا الصعيد، ومنها: - عمل كمادات ثلجية بالتبادل مع كمادات دافئة على المفصل مباشرة. - تجنب المضغ قدر المستطاع. - تناول أطعمة لينة أو سائلة، وتقطيع الطعام إلى أجزاء صغيرة في حال تناول أغذية صلبة تحتاج الى المضغ. - تجنب وضع لقيمات ضخمة تحتاج الى فتح الفم في شكل كبير. - تجنب فتح الفم كلياً. - الحد من تحريك الفك بشدة. - عدم وضع الهاتف بين الأذن والرقبة. - عدم إسناد الذقن على اليد. - اتخاذ الوضع السليم أثناء الجلوس أو النوم. - تدليك عضلات الفك والرقبة. إذا فشلت التدابير المذكورة في وضع حد لآلام المريض، فإن الطبيب قد يلجأ إلى أقراص المسكنات ومضادات الالتهاب والمرخيات العضلية، إلى جانب مرهم لحل عقال العضلات المشدودة. وقد يوصي طبيب الأسنان بوضع قطعة بلاستيكية في الفم أثناء النوم لمنع اصطكاك الأسنان العلوية مع السفلية. وإذا كانت هناك أرضية نفسية لنشوب الآلام في مفصل الفك، فلا بد من استشارة الطبيب المختص في العلاج النفسي من أجل حلحلة العقد التي تساهم في اندلاع هذه الآلام. وعلى هذا الصعيد، فإن طمأنة المريض، ووصف مضادات القلق، والخضوع لجلسات الاسترخاء، تساعد على رحيل آلام الفك. أما العلاج الجراحي فهو محل خلاف، والمهم عدم اللجوء إليه إلا كحل أخير. وفي الختام، إن الممارسين الذين يعالجون آلام مفصل الفك كثيرون وهم يشملون شريحة واسعة من المختصين بدءاً بأطباء الأسنان والتقويم، ومروراً بأطباء الأذن والأنف والحنجرة وأطباء الألم والأطباء النفسيين، وانتهاء بخبراء التدليك والتغذية والعلاج الفيزيائي، من هنا التشعب الواسع في طرق العلاج، وخير ما يمكن قوله على هذا الصعيد ما أشار إليه الدكتور هارولد لو رئيس المعهد الوطني للبحوث السينية في مدينة ماديسون الأميركية، من أن الآلام في المفصل الفكي الصدغي تنجم عن طائفة واسعة من الاضطرابات العصبية والعضلية والسلوكية والميكانيكية، وأن هذه الآلام ليس لها حل واحد بمفرده ولا علاج بعينه. تدليك واسترخاء ومسكّنات