في الثالث من تموز (يوليو) 2013 ردت المؤسسة العسكرية المصرية بانقلاب عسكري على ضربة كان وجهها الرئيس الإخواني محمد مرسي في آب (أغسطس) 2012 من خلال إحالة المشير طنطاوي وزير الدفاع والفريق سامي عنان رئيس الأركان على التقاعد، هي أقرب إلى انقلاب مدني ليس فقط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي حكم في مرحلة انتقالية قلقة بين 11 شباط (فبراير) 2011 و30 حزيران (يونيو) 2012، وإنما الى انقلاب على سلطة المؤسسة العسكرية المصرية الحاكمة منذ 1952. كانت ضربة 3 تموز2013 ضد الإخوان هي الضربة الثالثة لهم بأيدي العسكر بعد ضربتي 1954 و1965، فيما لم تصل الأمور في زمني السادات ومبارك لدرجة اصطدام القطارين، وإن جرت احتكاكات، وإنما كان التعايش القلق بين المؤسسة العسكرية وبين أكبر تنظيم مدني حزبي ممتد في المجتمع المصري هو السائد بين عامي 1971 و2011. كانت عين العسكر المصريين على أنقرة 2003-2010 عندما استطاع الإسلامي رجب طيب أردوغان تحجيم المؤسسة العسكرية، وقد أوحى الرئيس مرسي في 11آب (أغسطس) 2012، ومن ورائه التنظيم الإخواني، بأنه ينوي إنهاء ما بدأ عام 1952 ضد مؤسسة تمسك بثلث قطاع الدولة في الاقتصاد ويتغلغل أفرادها في كل المؤسسات بعد التقاعد وهي عملياً من يمسك بسلطة قرار وتسيير كل المؤسسات طوال ستة عقود. لم يكن ممكناً للفريق أول السيسي توجيه ضربته لو لم يكن قرأ جيداً ماجرى في موسكو في أيار (مايو) 2013 بين البيت الأبيض والكرملين من اتفاق شامل حول المنطقة كان أحد بنوده الرئيسية تحجيم التيار الإسلامي بعد زواج قصير بدأ في 11شباط 2011 بين واشنطن و(التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين) قبل أن ينتهي عام 2013 من خلال محطات (بنغازي) و(مالي) و(بوسطن)، وهو ماجرت ترجمته في إسطنبول في 31 ايار بساحة تقسيم وقبلها بأيام في أحد فنادق إسطنبول مع تحجيم الإسلاميين في (الائتلاف السوري) ثم امتدت هذه الترجمة إلى الدوحة في 25 حزيران. هذا الجو الدولي الذي ظلل حركة الفريق السيسي كان شرطاً لازماً ولم يكن يكفي تحركه توفر الجو الإقليمي الملائم في الرياض وأبوظبي وعمان ضد (الإخوان) والذي كان قائماً قبل 7 ايار2013. في انقلابات عسكرية بدول محورية لا يكفي توافر الأجواء المحلية والإقليمية الملائمة وإنما الأساس هو الجو الدولي، وبخاصة عندما يكون (الدولي) في إقليم مثل الشرق الأوسط هو الأساس ل (الإقليمي) و(المحلي)، وهذه حقيقة شرق أوسطية منذ سقوط الدولة العثمانية عام 1918، وقد كان الأخيران متوافرين ضد مرسي، ولكن عندما توفر (الدولي) ضد (الإخوان) فقد كان هذا حاسماً ومقرراً. ما فعله المبعوث الأميركي بيرنز في زيارتيه للقاهرة خلال تموز، كان تقديم مقترحات تبنى على ما جرى بعد مساء الثالث منه، وليس على وضعية ما قبله. ما يلفت النظر في قاهرة ما بعد 3 تموز(يوليو) 2013 هو حجم الانقسام الاجتماعي بين خندقين: المؤسسة العسكرية، وخلفها قطاع واسع من المصريين من تيارات ليبرالية وناصرية ويسارية وأقباط ومن أتباع نظام مبارك، في مواجهة (الإخوان) وقاعدتهم الاجتماعية التي تآكلت أقسام كبيرة منها بالقياس للأصوات التي نالوها عامي2011 و2012 في الانتخابين النيابي والرئاسي، مع حياد قلق للسلفيين هو أقرب للحيرة الفكرية - السياسية. ما يثير الانتباه في عام2013 تكرار مصري لما جرى في الجزائر عام 1992 لما دعم العلمانيون واليساريون والبربر(ومعهم إطارات الدولة العميقة) انقلاباً عسكرياً ضد الفوز الانتخابي للإسلاميين، قاد إلى عشرية من الحرب الأهلية أودت بحياة مئة ألف جزائري. في قاهرة ما بعد 3 تموز جرى الكثير من التنظير ل «الفروق» بين «شرعية الصندوق الانتخابي» و»شرعية الشارع»، لا مكان لصرفها في لندن وباريس وبرلين، ولكنها كانت محلاً لتظهير ركاكة الكثير من المثقفين المصريين، فهم سواء كانوا من الليبراليين أو اليساريين العروبيين والماركسيين، مصابون بفوبيا تصل إلى حالة هيستيريا عدائية ضد الإسلاميين هي أقرب لما شهدناه عند السيناتور مكارثي ضد الشيوعية في الخمسينات وفي انكلترا1805 - 1815من عداء لنابليون بونابرت، وهم أظهروا بأن طروحاتهم «الديمقراطية» خلال العقدين الماضيين كانت رداء رقيقاً تكشف مستوره أمام فوز الإسلاميين بالانتخابات خلال خمس جولات عامي2011 و2012، وهو ماجعلهم يلتفتون نحو الاستعانة بعسكري لحسم الموضوع، مع اختلاف عن خمسينات وستينات القرن العشرين لما كانت الاستعانة بالعسكر من قبل الأحزاب العروبية تترافق مع تنظيرات صريحة فيها الكثير من الاستقامة الفكرية (وهو ما ليس موجوداً الآن) ضد الديمقراطية الانتخابية عبر طروحات (الديمقراطية الشعبية) و(الديمقراطية الثورية). يخشى أن يتطور هذا إلى نزعة فاشية، رأيناها عند موسوليني وهتلر وفرانكو ضد صعود اليسار الشيوعي بعد ثورة1917 البلشفية حيث كانت الفاشية مبنية كنزعة على بناء فكري يقوم على «رهاب الشيوعية»، يمكن أن تقود الليبراليين والعروبيين الناصريين المصريين وأيضاً اليسار الماركسي (وهو ما نراه أيضاً في تونس الآن) إلى فاشية تصل عبر «رهاب الإسلاميين» إلى تسويغ وتبرير فكري - سياسي ليس فقط لقمع الإسلاميين وإنما كذلك لقتلهم وتصفيتهم جسدياً، وهو ما ظهر الكثير منه ومن ملامحه في مرحلة «ما بعد رابعة»، وبخاصة في زمن فضائيات وصحف هي أقرب إلى أحمد سعيد من قربها لما نراه في أعلام الدول المتقدمة. تفتتح مصر، منذ 1919، المراحل العربية وتختمها (الليبرالية- العروبية- الإسلامية): في يوم 3 تموز2013 لم ينتهي فقط المد الإسلامي الذي كان بدأ أوائل السبعينات بمصر ثم عم المنطقة، وإنما انتهى أيضاً ما بدأ في يوم 25 كانون الثاني (يناير) 2011 من «ربيع عربي»، وفي الوقائع فإن ما جرى في مصر منذ تموز 2013 هو عودة للنظام القديم، مع تجميلات وملحقات جديدة. كاتب سوري