لسنوات قليلة، بدا أن برنامج تلفزيون الواقع «الأخ الأكبر» وشاكلته من البرامج التلفزيونية التي تَحبس مشتركيها في مساحة محددة وتنقل كل تفصيل من حياتهم اليومية للمشاهد، ولت إلى غير رجعة، ولم يعد لها مكان في تلفزيونات دول، منها هولندا، الدولة التي قدمت للعالم، أول نسخة من برنامج «الأخ الأكبر» في العام الأخير من الألفية الماضية. فالبرامج الهولندية التي سارت على درب «الأخ الأكبر»، وصلت سريعاً إلى طريق مسدود أسلوبياً، وأدار الجمهور ظهره لها، لتتوقف بعدها تماماً كل المحاولات لإنتاج برامج مشابهة. الحال لم تكن ذاتها في دول عديدة أخرى مثل الولاياتالمتحدة وبريطانيا اللتين واصلتا عرض «الأخ الأكبر»، ولكن من دون النجاح الواسع الذي حصده البرنامج، في سنوات عزه، أي في العامين الأولين، من تقديمه في تلك الدول. اليوم ترغب الشركة الهولندية المنتجة لهذا البرنامج (أنديمول)، في تجريب التركيبة ذاتها مجدداً، إذ أعلن رئيس الشركة جون دي مول قبل أيام، أنها تحضر لبرنامج كبير يحمل عنوان «يوتوبيا» (يعرض العام المقبل)، ويرتكز على فكرة مراقبة مجموعة المشتركين فيه على مدار الساعة، وهم يحاولون أن يشيدوا عالماً جديداً في منطقة نائية، من دون التكنولوجيا الموجودة التي يعرفها العالم المعاصر. وسيطبق في البرنامج الجديد، أسلوب التصويت ذاته الذي تسير عليه برامج تلفزيون الواقع، ولكن بدل خروج متسابق كل أسبوع، سيتخلى برنامج «يوتوبيا» عن متسابق كل شهر. ولم يُفصح جون دي مول عن قيمة الجائزة، لكنها وفق قوله، ستكون كافية للفائز للبدء بحياة جديدة في العالم الذي نعيشه، وليس في «يوتوبيا» التلفزيون. أن يُكلف المشتركون في البرنامج الجديد بمهمات ومسؤوليات، هذا ليس جديداً على برامج «الأخ الأكبر»، فالبرنامج الأصلي، وفي محاولات مستميتة للإبقاء على شعبيته وجذب الجمهور، بدأ في مواسمه الثانية والثالثة اختراع ألعاب سخيفة بين المشتركين، لبث الحياة في الصورة الساكنة للبرنامج. ولم تجدِ تلك المحاولات وقتها، وخصوصاً في هولندا، في إبقاء اهتمام الجمهور هناك. مقابل النجاح الذي حمله برنامج «الأخ الأكبر» للقنوات التلفزيونية التي عرضته في السنوات الأولى، حلّ ما يشبه «اللعنة» على بعض تلك القنوات بعد توقفها عن عرض البرنامج. فالقناة البريطانية الرابعة (C4) التي عرضت البرنامج من عام 2001 إلى 2008، عانت كثيراً بسبب تخليها عن البرنامج، وعدم قدرتها على ملء الساعات التي كان يشغلها «الأخ الأكبر» من بثها، ففشلت باستبدال النجاح بآخر. القناة الرابعة هذه، عرفت طعم الهزيمة، أمام القناة البريطانية التجارية الخامسة، عندما اشترت هذه الأخيرة حقوق عرض «الأخ الأكبر»، ولتتفوق بسببه، للمرة الأولى في تاريخها، بنسب المشاهدة على قناة عريقة كالقناة الرابعة. وكذا الحال بالنسبة إلى قناة «فيرونكا» التي عرضت «الأخ الأكبر» في هولندا، والتي فقدت كثيراً من شعبيتها بعدما تخلت عنه، ثم فشلت التنويعات الأخرى التي قدمتها للفكرة، والتي تقوم على التجسس. قناة «أم بي سي» العربية، تعرضت بدورها لانتقادات أخلاقية عاصفة من قوى دينية واجتماعية في المنطقة عندما كانت تصور نسختها العربية من البرنامج قبل سنوات، لتُرغم على التخلي عن المشروع، على رغم إنها قطعت أشواطاً طويلة في التحضير له. التجربة الاجتماعية المثيرة التي كان يبشر بها برنامج «الأخ الأكبر»، لم تتحقق، والمسؤولية دائماً على القنوات التلفزيونية التي اختارت منذ البدايات «الترفيه» بدل الانشغال الحقيقي لرصد نفسي مُعمق لما يجري عندما تجمع شخصيات من طبقات اجتماعية مختلفة تحت سقف واحد، وتراقبها على مدار اليوم. البرنامج تحول إلى ما يشبه السيرك البشري الذي جذب مجموعة من طالبي الشهرة والمال ممن لعبوا في أحيان كثيرة أدواراً رسمتها لهم في الخفاء إدارات البرامج.