في حلقة تلفزيونية واحدة، استطاع المذيع المصري محمود الورواري، على قناة «العربية»، استضافة عدد من حملة رتبة «لواء»، العليا جداً، في التقاليد العسكرية، والأعراف الأمنية، إلى درجة أن مجرد سماع اللقب، يمكن له أن يدبّ الرعب في أوصال المشاهدين العرب، وبخاصة المصريين منهم، الذين يعرفون معنى أن يكون في ذاك الأستوديو الصغير الضيّق، شخصيات من أمثال اللواء فلان، واللواء علان، فضلاً عن اتصال هاتفي مع اللواء إكس، أو اللواء زد. لا تتردّد القنوات المصرية، المُتاحة الآن جميعها، بعد إقصاء القنوات «المتشددة»، عن تزيين شاشاتها بعبارة «مصر ضد الإرهاب»، أو ما يشبهها. وما ميل تلك القنوات إلى الاستعانة بالشخصيات الأمنية العليا، إلا دلالة على أن «الحرب ضدّ الإرهاب»، تأخذ الشكل الأمني أولاً وتالياً، في تأكيد على أنها «حرب»، ضدّ «مجموعات إرهابية»، ذات تمويل خارجي، غالباً، على عادة ما يجري في غير بلد عربي، بعيداً من أي محاولة لتفسير امتداداتها الشعبية، بخاصة في الفئات الوسطى والفقيرة، أو البحث عن أيّ مخارج سياسية اجتماعية اقتصادية تنموية تربوية ثقافية! تمثل الإطلالة اليومية للمذيع محمود الورواري، استطالةً إعلامية مصرية، خصصتها قناة «العربية» للشأن المصري، نظرةً من الداخل المصري، وبأدوات إعلامية مصرية. ولا شك، في هذا الصدد، أن الورواري تمكّن خلال فترة قصيرة من أخذ مكانة مناسبة في حيّز اهتمام المشاهد العربي والمصري، على السواء، على رغم أنه جاء وريثاً لمذيعين مصريين مشهورين، مجلّين في مجالاتهم، وكانوا قادرين حينها على إثارة سجالات وإشكاليات تتسم بجرأة مرغوبة لدى المشاهدين. مع أهمية ملاحظة أن الورواري ينتمي شكلاً وحضوراً إلى طراز المذيع «ابن البلد» الأليف، على خلاف طراز المذيع ال «سوبر ستار»، المُتداول مصرياً. ومع ذلك، لا يبتعد الورواري، في حلقات هذه الأيام، عما هو مألوف، ولا يذهب إلى ما هو مُنتظر منه، بل يدور احياناً في فلك الشائع في الإعلام المصري عموماً، الذي باتت واجهة صدارته للرتب الأمنية العالية السابقة، ولأحاديثها التي تمزج المعلومة بالتحليل، مع حنين غير خافٍ إلى أيام مكاتب «مباحث أمن الدولة»! صحيح أنه خلال العقد الأخير من سنوات البثّ الفضائي العربي، وما بين جولة حرب وأخرى، وصولاً إلى «موسم الربيع العربي»، اعتاد المشاهد العربي، من دون كثير من المفاجآت، على إطلالة عدد غير قليل من الرتب العسكرية، المُتقاعدة دائماً، مُستغرقة في التحليل العسكري والاستراتيجي. وربما يمكن القول إن القنوات باتت تتنافس فيمن يستطيع منها استضافة رتبة أعلى، عميداً هناك أم لواءً هنا! لكن يبقى من الجدير بالقول إن ثمة فارقاً عميقاً، في الذاكرة الجمعية للمشاهدين، بين العسكر والأمن! وليس غريباً أن يرتجف المشاهد، وهو يهمس لنفسه: «في تلفزيوننا لواء»!