استمعت أمس لحوار خاص مع «شعبان عبدالرحيم» أجراه مقدم البرامج الفاتن محمود الورواري في «مصر الحدث» في قناة «العربية». وكنت أحتار في ايجاد صفة «مهنية» أو إبداعية منطقية لشعبان عبدالرحيم منذ «هب» مثل رياح أو ثار مثل «تسونامي» لتجده في كل جغرافيا عربية وغير عربية وعلى كل لسان عربي وغير عربي تقريبا. وشعبان عبدالرحيم ليس مطرباً ولا مغنياً ولا فناناً ولا شاعراً ولا ممثلاً، وليست له مهنة ولا صفة ولا تعريف ولا تبرير ولا هوية. وما وجدت إلا أن أقول إنه «ظاهرة» فحسب، على الرغم من أن شعبان يطرح آراء في قضايا سياسية صعبة في ما يمكن تجاوزاً أن نسميه غناء، يمتدح أو يعرض بشخصيات بارزة في صناعة التاريخ الراهن مصريا وعربياً وعالمياً. وهذه الحيرة هي التي تكوم أي مقدم برنامج يلتقي شعبان في مأزق، إضافة إلى أن شعبان لا يبدو أنه يجهد نفسه في معرفة أي شيء أو حدث أو موقف. ويطرح آراء فطرية عذراء. وكثير من الذين التقوا شعبان إما يسخرون منه، أو يسطحون طرحهم كي يفهمه شعبان، ويتحول اللقاء إلى «فرفشة» ومرح. هنا بدأت احترافية الورواري تتجلى، فملك القدرة على أن يحاور شعبان و«يبسط» ولا يسطح الاسئلة، ولم يتنازل عن جديته وتهذيبه ولباقته. واستطاع كعادته، أن يقدم حواراً ممتعاً مع «ظاهرة»، بل، وعلى عكس مقدمي البرامج الآخرين، كان بلباقة يخرج شعبان من مأزق الجهل. ونجح الورواري في تقديم حلقة ممتعة حفظت لشعبان كرامته. في الحقيقة فإن الورواري، الذي لا أعرفه شخصياً ولم أقابله بحياتي، يتمتع بشخصية احترافية ملفتة، فهو في جميع حواراته، يلتزم الموضوعية والتهذيب واللباقة، واحترام الضيوف، و«لا يزايد» ولا تغريه الشاشة بأن يتقمص شخصية الوطني الغيور المتحمس، بمعنى أن احترافيته تمنعه من «المهايطة» وتسويق نفسه على حساب المشاهدين، كما يفعل مقدمو برامج كثيرون، «يمثلون» ويزايدون بأسلوب مقيت ومضلل إلى درجة الاستخفاف بذكاء الجمهور، ويفتقرون كثيراً إلى الثقافة المهنية. وبعض مقدمي البرامج في الفضائيات العربية لا يمتون إلى المهنة بأية صلة أو علاقة، بل ان أحدهم (مقدم برنامج تلفزيوني خليجي) ارتكب جريمة شنيعة على الهواء، حينما أحضر سيدة مريضة نفسياً وبدأ السخرية منها والاستهزاء بها، ويطرح عليها أسئلة تغريها بإجابات خرقاء، ليضحك ويؤدي وصلة من المرح استمرت ساعة، أليمة بالنسبة لي، على حساب سيدة مريضة تتكلم بلا إرادة ولا تفكير. وكان مقدم البرنامج هذا على درجة عالية من الدناءة والسوء والخبث والانانية المعدية حد المرض. ويبدو أنه يستعد لبيع أي شيء مثلما باع ذمته وضميره، على الرغم من أنه يطرح نفسه «مهايطاً» وطنياً لا يشق له غبار. مثل هذا المقدم الذميم كثيرون، وب«الكوم» يحتلون مقاعد وثيرة في الفضائيات العربية ولا يمثلون سوى نفايات ستحترق يوماً. ولكن أيضا في الفضائيات مقدمون رائعون مثل محمود الورواري وطوني خليفة، وأحمد منصور في الجزيرة، على الرغم من أن منصور، أحياناً، تتلبسه نزعة عسكرية. وتر تكتب كلمات بمداد الدمع.. وتشكل آلامها، اشتعالات الخيال.. المدينة.. وأرصفة الشوارع.. وضجيج المقاهي.. كل هذا يثير العياء.. لا شفاء.. ترسم قارباً مبحراً.. وشجرة طلح عزلى.. وحصى.. تسمك بأفق الضوح.. وتهم بالرحيل..