نال الشاعر نزار قباني شهرة ربما لم ينلها أحد من معاصريه من الشعراء العرب، ولا شكّ في أنّ جرأته في طرح موضوعات كانت تُعتبر من المحظورات والتابوهات في زمانه، ساهمت في انتشار أعماله بين القرّاء، برغم وجود أقلام كثيرة انتقدته وحاولت التقليل من شأن أعماله. أمّا حياته الشخصية، فكانت أيضاً مثار جدل كبير، فهو بعد فقدانه ابنه ومن ثمّ زوجته بلقيس في الشكل المأسوي الذي قُتلت به، كتب فيهما أجمل قصائده ونال عطفاً كبيراً من قرّائه، الذين أحسّوا بأحزان هذا الشاعر الذي عبّر عنهم وتكلّم بلسانهم أروع الكلمات. وفي الكتاب الصادر حديثاً عن منتدى المعارف بعنوان «التحليل النفسي لشخصية نزار قباني»، يكتب سمير عبده عن شخصية شاعر أحبّه القرّاء، فرأوا فيه صورة الفارس الذي يمتطي حصاناً أبيض، حتى إذا توفي عام 1998 بكوه كما لم يبكوا شاعراً، ومشوا في جنازته إلى حيث ووري الثرى في مدينته الحبيبة دمشق، وهو الذي قال «كلّ مدينة عربية هي أمّي». الدراسات التي تتناول بالعرض والتحليل النفسي رموزاً ثقافية وشخصيات معروفة ليست كثيرة في عالمنا العربي، وهذا النقص هو ما يسعى إلى أن يسدّه الكاتب سمير عبده، فهو سبق أن أصدر كتاب «التحليل النفسي لشخصية جمال عبد الناصر» وآخر عن أنور السادات، ومن ثمّ تناول شخصيات في كتاب واحد هو «التحليل النفسي لشخصيات سياسية عربية»، ذكر فيه الملك فاروق الأول واللواء محمد نجيب وأنطون سعاده وميشيل عفلق وكمال جنبلاط... وفي كتابه الذي يتناول فيه شخصية نزار قباني، يحاول عبده أن يُلقي الضوء على جوانب نفسية رافقت مسيرة الشاعر الكبير، ليتبيّن أنّ الشاعر لازمه أكثر من «عَرَض» نفسي، منها: الفيتيشية والسادومازوخية ومكانة المرأة من ذاته... ويضع الكاتب تحليله هذا في خمسة فصول هي: «أين مرض نزار قباني من أمراض العظماء؟»، «سيكولوجية نزار قباني في شخصيته وشعره»، «المرأة في حياة نزار قباني»، «السادومازوخية عند نزار قباني». يُبيّن الكاتب أنّ الملامح الأساسية في حياة قباني تتجلّى في مراحل وعلاقات عدّة، أوّلها مرحلة الطفولة التي ارتبط فيها بأمّه إلى حدّ أنّه ظلّ يرضع من ثديها لغاية الثمانية أعوام، ومن ثمّ علاقته بشقيقته الكبرى التي أحبّها وتعلّق بها جداً، لكنّها ماتت وكان لا يزال صغيراً... وصولاً إلى قصائده السياسية التي تُبرز أزمته السادومازوخية، أو جَلد الذات في شكل فاضح ومرَضي.