محافظ هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية يرفع التهنئة للقيادة    "الرياض" ضيف شرف معرض بوينس آيرس الدولي للكتاب    وزير التعليم يرفع التهنئة للقيادة بما تحقق من منجزات تعليمية    وزارة التعليم تستعرض منصاتها في معرض تونس الدولي للكتاب 2025    بيان مشترك لوزير المالية ومدير عام صندوق النقد الدولي ورئيس مجموعة البنك الدولي بشأن سوريا    أبها تتغطى بغطاءها البنفسجي    مواقع أجنبية: الهلال يبعث برسالة تهديد لرونالدو    وزير الصحة: تطبيق نموذج الرعاية الصحية الحديث أسهم في رفع متوسط عمر الإنسان في المملكة إلى 78.8 عامًا    تركي بن محمد بن فهد يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة ما تحقق من إنجازات في مسيرة رؤية المملكة 2030 بعامها التاسع    ريال مدريد ينتقد اختيار الحكم الذي سيدير نهائي كأس إسبانيا    للمرة الثالثة على التوالي ..الخليج بطلاً لممتاز كبار اليد    بيراميدز يحقق ما عجز عنه الأهلي    زيلينسكي: أوكرانيا تريد ضمانات أمنية أمريكية كتلك التي تمنحها لإسرائيل    وزير "البيئة" يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة صدور التقرير السنوي لرؤية المملكة وما تضمنه من إنجازات    مجلس الأعمال السعودي - الأمريكي يستضيف فعالية تواصل استثمارية رفيعة المستوى    الرئيس التونسي يزور جناح جامعة نايف بمعرض تونس للكتاب ويشيد بجهودها في تعزيز الأمن العربي    «أماني» تحصد الدكتوراه برسالة متميزة    القبض على باكستانيين في المنطقة الشرقية لترويجهما «الشبو»    محمد العرفج يُفجع بوفاة والدته    الاتحاد السعودي للطيران الشراعي يُقيم معسكرًا لفئة النخبة    نائب أمير تبوك: رؤية المملكة 2030 حققت قفزات نوعية وإنجازات    موعد مباراة الهلال في نصف نهائي دوري أبطال آسيا للنخبة    أمير منطقة جازان يرفع التهنئة للقيادة بما حققته رؤية المملكة من منجزات في الأعوام التسعة الماضية    عام 2024 يُسرع خُطى الرؤية السعودية ويسجّل إنجازات استثنائية    بلدية محافظة ضرية تطرح 8 فرص استثمارية    ثانوية الأمير عبدالمحسن تحصد جائزة حمدان بن راشد    قطاع بارق الصحي يُنفّذ مبادرة "صحة الفم والأسنان"    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُقيم فعالية "متلازمة داون"    مستشفى أحد رفيدة يُنفّذ "اليوم العالمي للتوحد"    "عبيّة".. مركبة تحمل المجد والإسعاف في آنٍ واحد    مدرب الأهلي: جماهيرنا سندنا لتخطي بوريرام التايلندي    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    غدًا.. انطلاق أكبر فعالية مشي في المملكة «امش 30»    في الدمام ( حرفتنا حياة ) ضمن مبادرات عام الحرف اليدوية 2025    "حديث المكتبة" يستضيف مصطفى الفقي في أمسية فكرية عن مكتبة الإسكندرية    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    تنفيذ ورشة عمل لاستعراض الخطط التنفيذية للإدارات في جازان    بيولي: هدفنا الآسيوية وجاهزون ليوكوهاما    هيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية بجازان تستعرض مشروع زراعة أشجار الصندل في "أسبوع البيئة 2025"    مبادرة لرعاية المواهب السعودية في قطاع الجمال    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    مخاطر في الذكاء الاصطناعي    مملكة الخير والإنسانية    تقلص الجليد القطبي    خشونة الورك: الأسباب.. التشخيص.. العلاج.. الوقاية    اللواء الودعاني يدشّن مشاريع تطويرية لتعزيز قدرات حرس الحدود    رئيس نادي الثقافة والفنون بصبيا يكرّم رئيس بلدية المحافظة لتعاونه المثمر    محافظ صبيا يشيد بجهود رئيس مركز العالية ويكرمه بمناسبة انتهاء فترة عمله    محافظ صبيا يكرم رئيس مركز قوز الجعافرة بمناسبة انتهاء فترة عمله    بلدية صبيا تدعو للمشاركة في مسيرة المشي ضمن مبادرة #امش_30    ذكاء اصطناعي للكشف عن حسابات الأطفال في Instagram    بناءً على توجيهات ولي العهد..دعم توسعات جامعة الفيصل المستقبلية لتكون ضمن المشاريع الوطنية في الرياض    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    لبنان.. الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية 24 مايو    ملك الأردن يصل جدة    10 شهداء حرقًا ووفاة 40 % من مرضى الكلى.. والأونروا تحذّر.. الاحتلال يتوسع في جرائم إبادة غزة بالنار والمرض والجوع        







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد مظلوم يحشد شعراء التاريخ لرثاء زوجته الراحلة
في كتاب فريد بعنوان: (ديوانُ مراثي الزوجات)
نشر في الرياض يوم 24 - 08 - 2013

مَسَاءَ يَوْمِ الإثْنَيْنِ 17/11/2008 كَانَتْ زَوْجَتِيْ «فَاطِمَةُ» الْحَامِلُ بَتَوْأَمَيْنِ ذَكَرَيْنِ، فِيْ شَهْرِهِا التَّاسِعِ عِنْدَمَا دَهَمَتْهَا، فَجْأَةً، أَعْرَاضٌ مُخْتَلِطَةٌ بَيْنَ تَفَاعُلاتِ أَلَمِ الْمَخَاضِ وَبَيْنَ ارْتِعَاشَاتٍ جَسَدِيَّةٍ غَرِيْبَةٍ، فَنَقَلْتُهَا فَوْرَاً إلى مُسْتَشْفَىْ «الشَّرْقِ» لِلْوِلادَةِ فِيْ دِمَشْقَ حَيْثُ انْتَصَرَ الْمَوْتُ عَلَى الْحَيَاةِ، فِيْ مَعْرَكَةٍ سَرِيْعَةٍ وَخَاطِفَةٍ، وَاخْتَطَفَ مِنِّيْ ثَلاثَ أَرْوَاحٍ حَبِيْبَةٍ فِيْ لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ. كَانَتْ تَجْرِبَةً فَائِضَةً بِالْقَسْوَةِ الْمُفْرِطَةِ، زَادَ مِنْ قَسْوَتِهَا مَا وَاجَهْتُهُ مِنِ انْكِشَافِ الأَقْنِعَةِ الَّتِيْ نَزَفَتْ بَشَرِيَّتَهَا لِتُسْفِرَ عَنْ وُجُوْهِ وُحُوْشٍ مِنْ حَوْلِيْ. بهذه الموجز الفاجع، يفتتح الشاعر العراقي محمد مظلوم كتابه الصادر حديثاً عن منشورات الجمل بعنوان: (ديوان رثاء الزوجات: من الشعر السومري إلى قصيدة النثر). الكتاب الذي يقع في 736 صفحة، يتألف من أربعة عناوين، الأول: إِلَى «فَاطِمَة» فِيْ ذِكْرَاهَا. والثاني: دراسة نقدية حول مراثي الزوجات. والثالث: مجموعُ شعر رثاء الزوجات. والأخير: ملحق نماذج من رثاء الحبيبات. في سفرٍ يعد الأول من نوعه في المكتبة الشعرية العربية وهو يتناول موضوعا لم يلتفت له النقاد والباحثون، إلا أن ألم الشاعر الجريح، كان ملهماً ومحرضاً، لخوض تجربة البحث التي امتزجت بالوفاء الممتد لروح زوجته الراحلة، فاطمة. وحول اللحظة التي التمعت فيها فكرة جمع (مراثي الزوجات) يبوح مظلوم، متذكراً ساعات وأيام معاناةِ الوحدة القاسية في منفاه الدمشقي، آنذاك:
"لم أَجِدْ إِزَاءَهَا مِنْ عُلاْلَةٍ أَوْ عَزَاءٍ فِي الْمَنْفَىْ الَّذِيْ أَضْحَىْ مُرَكَّبَاً مُنْذُ تِلْكَ الْلَحْظَةِ، سِوَى الْعُزْلَةِ وَالاعْتِكَافِ فِيْ يَوْمِيَّاتِ ذَلِكَ الْمُنَاخِ التَّرَاجِيْدِيِّ كِتَابَةً وَقَرَاءَةً، كَتَابَةَ مَرْثِيَّتِي الشَّخْصِيَّةِ لَهَا، صَدَرْتَ لاحِقَاً فِيْ «كِتَابُ فَاطِمَة» (2008) وَكَذَلِكَ الْقَرَاءَةَ الْمُوَازِيَةَ لِتِلْكَ التَّجْرِبَةِ التَّرَاجِيْدِيَّةِ، فَكَانَ هُنَاكَ كِتَابَانِ كُنْتُ قَرَأْتُهُمَا فِيْ وَقْتٍ سَابِقٍ، لَمَعَا فِيْ ذِهْنِي الذَّاهِلِ فَجْأَةً وَكَأْنَّهُمَا تَعْوِيْذَةُ التَّصَبُّرِ فِيْ هَذَهِ الرِّحْلَةِ الشَّاقَةِ مَنِ الأَلَمِ الرُّوْحِيّ، وَهُمَا كِتَابُ «التَّعَازِي وَالْمَرَاثِيْ» لِلْمُبَرِّدِ، وَكِتَابُ «الْمَرْثَاةُ الْغَزَلِيَّةِ فِي الشِّعْر الْعَرَبِيِّ» لِلدِّكْتُوْرَ عِنَاد غَزْوَان، وَمِنْ لَمَعَانِ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ، قَرَّرْتُ أَنْ أَمْضِيْ فِيْ بَحْثٍ طَوِيْلٍ وَشَامِلٍ لاسْتِقْصَاءِ الْمَرْثِيَاتِ الَّتِيْ كَتَبَهَا الأَزْوَاجُ الشَّعُرَاءُ لِزَوْجَاتِهِمْ الرَّاحِلاتِ فِيْ مَخْتَلَفِ عًصُوْرِ الشَّعْر. ليبدأ صاحب كتاب (الفتن البغدادية) بتتبع وجمع قصائد "مراثي الزوجات" طوال أربع سنوات مِنَ الْعَمَلِ، يقول عندها "جَمَعْتُ الْعَشَرَاتِ مِنَ النُّصُوْصِ مِنْ مَصَادِرِ التُّرَاثِ الْعَرَبِيِّ، بِمُخْتَلَفِ مَرَاحِلِهِ، وَمِنْ دَوَاوِيْنِ الشُّعَرَاء مِنْ شَتَّى الْعُصُوْرِ"؛ مهدياً هذا السفر الهام إلى ملهمته الأولى قائلاً: "وَلأَنَّ رَحِيْلَ «فَاطِمَةَ» كَانَ الْحَافِزَ الأَسَاسِيِّ لِهَذَا السِّفْرِ الصَّعْبِ، فَإِلَىْ رُوْحِهَا وَرُوْحِ مَلاكَيْهَا هَذَا الْكِتَابِ، حُشُوْدٌ مِنَ الشَّعَرَاء مِنْ مُخْتَلَفِ الْعُصُوْرِ يُؤْبِّنوْنَ نِسَاْءَهُم، وَكَأنَّهُمْ هَبُّوا مِنْ أَبَدِيَّتْهِم الْبَعِيْدَةِ لِيُؤَبِّنوا «فَاطِمَةَ» مَعِيْ". ويتضمن الكتاب أيضاً دراسة نقديةً أدبية عميقة ومكثفة بعنوان: (رثاء الزوجات وَمُشْكِلَةِ «الْجنْدَر» فِي الثَّقَافَةِ الْعَرَبِيَّة)، يغوص فيها بطون كتب التراث الشعري والأدبي ليعرض كل الآراء اللغوية والنقدية في موضوع رثاء المرأة في التراث العربي والإنساني. ومن الدراسة نقرأ ما يستخلصه مظلوم: "مراثي النساء إذن مدائح حزينة في غياب الممدوح، وغزل بلا غايات تحضر فيه جماليات الغائب بكثافة دون حضوره الجسدي، فهو بهذا المعنى شعر – في كلتا الحالتين – أو الغرضين تحرَّرَ من غرضيته وغائيته النفعية فهو لا يتوجَّهُ إلى شخص موجود يطمح أن يحظى منه بجائزة ما أو يستحقُّ عنه مطمعاً ما أو يتقرَّب منه بتوسل، انتفاء الغاية العابرة والغرضية المباشرة بجعل من هذا النوع الشعر، مستودعاً شعورياً هائلاً لكثافة صوفية تنبثق من بواطن العزلة وطبقات الوحشة المتعدِّدَة. لتشيِّدَ نشيداً عالياً في تأبين الجمال". وينبه مظلوم إلى أن هذه المراثي تنطوي أيضا، على تصوير اللحظات الأخيرة بين شخصين عاشا معنا زمناً، ومن هنا فإنها تنطوي كذلك على رثاء للنفس، للروح التي بقيت مفردة بعد شريك يومياتها، ومن هنا كذلك، تكثر نبرة الزهد في مغريات العالم، والرغبة في أن يكون الشاعر شريكاً للراحلة في رحلتها، وهذه نبرة تكاد تشكِّل واحدةً من العناصر المشتركة واللافتة في معظم القصائد هنا.
الكتاب قدم صورة مغايرة وجديدة للشاعر والإنسان العربي
ثم يختم دراسته: "يخلو السرير من الشريك الميت فيغدو العالم كلُّه مهجوراً، ويبقى الشريك الحيّ منفرداً بانتظار اللحظة التي يتحوَّلُ فيها النَّعش إلى سرير جديد، أو مهداً تُولدُ فيه حياةٌ أخرى متخيَّلة ومنشودة بالتأكيد، لكنَّها ليست واقعية بكلِّ تأكيد". وقبل أن نعرض اقتباسات لشعر ونثر رثاء الزوجات، لا بد لنا أن نشير إلى أن الكتاب وهو يقدم شحنة أدبيةً، شعريةً محضة، يكشف لنا أيضا عن وجه آخر غير معهود للشاعر والرجل العربي على حدٍ سواء، فالعربي الذي لطالما صور (من منظور الاستشراق وغيره) على أنه الرجل المزواج الذي غالباً، لا يستقر في قلبه حب زوجةٍ إلا ومضى، ليتزوج عليها، "مثنى وثلاث ورباع" أو ليختار له عشيقةً، يطربها بأشعاره؛ يأتي (ديوان مراثي الزوجات) ليزحزح بعضاً من تلك الصورة التقليدية والنمطية عن الرجال العرب، مقدما - الديوان - صورة بالغة الوجد والعاطفة لشعراء ترجموا عذابات الفراق الأبدي، شعراً، مؤثراً لا يمكن أن نستقبله دون التفكير في الحالة الروحية والنفسية التي شكلت هذه النصوص الشعرية عند هذا الشاعر العربي أو ذاك منذ تراث الشعر العربي القديم وحتى اليوم. صحيحٌ أننا بصدد شعراء، تكون الحساسية الروحية والنفسية لديهم أشد تأثراً من غيرهم من الرجال، إلا أن نظرةً متأملة لنصوص الكتاب، ستقربنا كذلك من ذوات الشعراء كرجال، ينتمون لهذه الثقافة التي على ما يبدو تحتاج إلى المزيد من التقصي والكشف.
بداية نقرأ من الشعر الجاهلي هذا النموذج عند شاعرٍ أعرابي فقد زوجته: فَواللهِ مَا أدْرِيْ إذَا الْلَيْلُ جَنَّني/ وَذَكَّرَنيهَا أيُّنا هُوَ أَوْجعْ؟/ أمُنْفَصِلٌ عَنْ ثَدْيِ أمٍّ كَرِيْمَة/ أَمِ الْعَاشِقُ النَّابِيْ بِهِ كُلُّ مَضْجَعْ؟. وقبل أن نذهب لشعر الزمن الإسلامي، نتوقف عند انموذجٍ من الشِّعْر الرافديني لُودنگيرا وهو «شَاعِرٌ سُوْمَرِيّ» رثى أيضا زوجته. وقد اكتُشفتْ هذه المرثية على لَوحٍ مسماريٍّ في مدينة نُفَّر «نيبور - العاصمة الدينية للسومريين» ويعود زمن تدوينه إلى حدود سنة 1700 ق.م، ويضمُّ اللوح مرثيتين شعريتين مكتوبتين باللغة السومرية. نقرأ في هذه المرثية: "لَقَدْ حَلَّ يَوْمُ الشُّؤْمِ عَلَى الزَّوْجَةِ/ وَقَعَتِ الْعَيْنُ الشِّرِيْرَةُ عَلَى السَّيِّدَةِ الْجَمِيْلَةِ، الزَّوْجَةِ الْعَطُوْفِ/ «نَاوَيِرْتمْ» الْبَقَرَةُ الْوَحْشِيَّةُ الْمُخْصِبَةُ/ سَقَطَتْ مُحَطَّمَةً/ وَهْيَ الَّتِيْ لَمْ تَقُلْ أَبَدَاً: إنَّنِيْ مَرِيْضَةٌ/ لَقَدْ غَمَرَتْ «نُفَّرَ» الْعَتَمَةُ/ وَفِي الْمَدِيْنَةِ/ أَطْلَقَ كُلُّ النَّاسِ صَرْخَةَ الْحُزْنِ/ وَغَمَرَتْهُمُ الشَّفَقَةُ عَلَىْ نِهَايَةِ حَيَاتِهَا الْقَاهِرَةِ. أما الإسلامي فمنه نصغي إلى هذه الأبيات: «أَبِالْفُرْعِ» لَمْ تَظْعَنْ مَعَ الْحَيَّ زَيْنَبُ/ بِنَفْسِيْ عَنِ النَّأْيِ الْحَبِيْبُ الْمُغَيَّبُ/ بِوَجْهِكِ عَنْ مَسِّ التُّرَابِ مَضَنَّةٌ/ فَلا تُبْعِدِيْنِيْ كُلُّ حَيٍّ سَيَذْهَبُ/ تَنَكَّرَتِ الأَبْوَابُ لَمَّا دَخَلْتُهَا/ وَقَالُوْا: أَلا بَانَتِ الْيَوْمَ زَيْنَبُ/ أَأَذْهَبُ قَدْ خَلَّيْتُ «زَيْنَبَ» طَائِعَاً/ وَنَفْسِيْ مَعِيْ لَمْ أَلْقَهَا حِيْثُ أَذْهَبُ. ثم يمر الديوان بالشعر الأموي حيث نقرأ: ألِمَّا عَلَىْ قَبْرٍ «لِصْفَرَاءَ» فَاقْرَآ/ السَّلامَ وَقُوْلاَ: حَيِّنَا أيُّهَا الْقَبْرُ/ وَمَا كَانَ شَيْئَاً غَيْرَ أَنْ لَسْتُ صَابِرَاً/ دُعَاءَكَ قَبْرَاً دُوْنَهُ حِجَجٌ عَشْرُ. وفي الشعر العباسي، مع أبي تمام، نقتطع هذا الجزء: يَقُوْلُوْنَ: هَلْ يَبْكِي الْفَتَىِ لِخَريْدةٍ/ إذَا مَا أَرَادَ اعْتَاضَ عَشْرَاً مَكَانَهَا؟/ وَهَلْ يَسْتَعِيْضُ الْمَرْءُ مِنْ خَمْسِ كَفِّهِ/ وَلَوْ صَاغَ مِنْ حَرِّ الْلُجَيْنِ بَنَانَهَا؟. وبعد نماذج عديدة من الشعر العباسي والأندلسي، يلج مظلوم شعر القرن العشرين، ليستوقفنا رثاء الشاعر محمد مهدي الجواهري لزوجته التي يسميها في القصيدة (أمونة)، حيث نقرأ: هَاْ نَحْن «أَمُّوْنَةٌ» نَنْأَىْ وَنَفْتَرِقُ / وَالْلَيْلُ يَمْكُثُ وَالتَّسْهِيْدُ وَالْحُرَق/ وَالصَّبْحُ يَمْكُثُ لا وَجْهٌ يُصَبِّحُنِ/ بِهِ، وَلا بَسَمَاتٌ مِنْكِ تَنْطَلِقُ/ «أَمَّوْنَهٌ» وَالضَّمِيْرُ الْحَيُّ ضَارِبَة/ عُرُوْقُهُ وَالضَمِيْرَ الْمَيِتِ يَعْتَرِقُ / خَمْسٌ وَخَمْسُوْنَ عِشْنَاهَا مُرَاوَحَةً/ نَبُزُّ منْ سُعِدُوا فِيْهَا وَمَنْ شُنِقُوا/ يَا حُلْوَةَ الْمُجْتَلَى وَالنَّفْسُ ضَائِقَةٌ/ وَالأَمْرُ مُخْتَلِطٌ وَالجَوُّ مُخْتَنِقُ. ومن الشعر الحر، نقرأ لنزار قباني، مقطعاً من (قصيدة بلقيس): الْبَحْرُ فِي بَيْرُوْتَ بَعْدَ رَحِيْلِ عَيْنَيْكِ اسْتَقَالْ/ والشِّعْرُ يَسْأَلُ عَنْ قَصِيْدَتِهِ/ التي لَمْ تَكْتَمِلْ كَلِمَاتُهَا/ ولا أَحَدٌ يُجِيْبُ عَلَى السُّؤَالْ/ الْحُزْنُ يا بَلْقِيْسُ/ يَعْصُرُ مُهْجَتِي كالبُرْتُقَالَةْ/ الآنَ أَعْرِفُ مَأزَقَ الْكَلِمَاتِ/ أَعْرِفُ وَرْطَةَ الْلُغَةِ الْمُحَالَةْ/ وَأنَا الَّذِي اخْتَرَعَ الرَّسَائِلَ/ لَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ أَبْتَدِئُ الرِّسَالَةْ. أما الشاعر محمد الماغوط فنقرأ له نصاً نثريا مؤثراً في رثاء زوجته سنية صالح: كُلُّ مَنْ أَحْبَبْتُ, كُنَّ نُجُوْمَاً/ تُضِيء لِلَحْظَةٍ وَتَنْطَفِئُ إِلَى الأَبَدِ/ وَأَنْتِ وَحْدَكِ السَّمَاءُ/ ثَلاثِيْنَ سَنَةً/ وَأَنْتِ تَحْمِلِيْنِي عَلَى ظَهْرِكِ كَالْجُنْدِيِّ الْجَرِيْحِ/ وَأنَا لَمْ أَسْتَطِعْ/ أَنْ أَحْمِلَكِ بِضْعَ خَطَوَاتٍ إِلَى قَبْرِكِ/ أَزُوْرُهُ مُتَثَاقِلاً/ وَأَعُوْدُ مُتَثَاقِلاً / لأَنَّنِي لَمْ أَكُنْ فِي حَيَاتِيْ كُلِّها/ وَفِيَّاً أَوْ مُبَالِيَاً/ بِحُبّ, أَوْ شَرَفٍ أَوْ بُطُوْلَةٍ/ وَلَمْ أُحِبَّ مَدِيْنَةً أَوْ رِيْفَاً/ قَمَرَاً أَوْ شَجَرَةً, غَنِيَّاً أَوْ فَقِيْرَاً/ صَدِيْقَاً أَوْ جَارَاً, أوْ مَقْهَىْ. ونختم مختارات رثاء الزوجات مع هذا النص الأثير للمؤلف محمد مظلوم من كتاب (فاطمة)، راثياً زوجته الراحلة: أَسْتَنْفِرُ لأَجْلِكِ الشُّعَرَاءَ/ مِنْ كُلِّ الْعُصُوْرِ/ بِذُقُوْنِهِمِ الْمُبْتَلَّةِ/ وَنَظَّارَاتِهِمِ الْلاصِفَةِ تَحْتَ مَطَرٍ مُعْتِمٍ/ لِيَقْرَأوا مَرَاثِيَهُمْ أَمَامَ وَجْهَكِ النَّائِمِ/ كَنَهَارٍ فِي بِئْرٍ/ أَقْرَأُ مَعَ «مُوْنَتَالِي» سِفْرَ أَشْعِيَا الثَّانِيْ/ وَنَبْكِيْ مَعَاً/ عِنْدَ مَضِيْقِ التَّثْنِيَةِ
وَرَحِمٍ مُغْلَقٍ كَالأَبَدِيَّةِ/ وَلا أَرَىْ أَحَدَاً يَأتِي مِنْ الْمَضِيْقِ
غَيْرَكِ/ لاْ أَحَدَ/ سِوَى تِلْكَ الْعَاصِفَةِ الْوَحِيْدَةِ/ فِيْ قَلْبِي يَجُرُّهَا مُحَارِبُوْنَ مَهْزُوْمُوْن/ لِمَاذَا عُدْتِ إِلَى أُمِّكِ.
نزار قباني
محمد الماغوط
الجواهري
محمد مظلوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.