في رواية «حياة باي» الخيالية للمؤلف الكندي يان مارتل، يرى البطل أن الحيوانات قد تكون سعيدة بوجودها في حديقة الحيوان، فتلك الطليقة تعاني الصراع والأخطار. وربما يتفق تجار الأسلحة مع هذا الرأي، أو وربما يرى البعض أن اصطياد الحيوانات أفضل لها. ففي معرض الصيد والفروسية في أبوظبي، يجتمع أشهر تجار أسلحة الصيد وأدواته، ليجذبوا الزوار والمهتمين بالصيد بأدوات ووسائل قد لا تخطر في بال، مثل الأسلحة الفاخرة المطعّمة بالذهب والمجوهرات. عدا عن وعود بمغامرات وإثارة في برامج صيد كاملة حول العالم. عبارات كثيرة تسمعها في أروقة ذلك المعرض الهائل: «هل ترغب في صيد أسد وسلخِه لتزيّن به قاعة الغرفة كسجادة؟ أو ربما تفضل زرافة أو فيلاً؟»، «سنأخذك في رحلة صيد ممتعة»، «هل ترغب في أفخر وأجود سلاح؟ تأمّل هذه البندقية المطعمة بالعاج والمصنوعة من التيتانيوم»، «لا بد أن تحتاج إلى سكين روسية أو سويسرية فاخرة، سعرها بضعة آلاف من الدولارات فقط». المتعاطف مع الحيوانات سيقع في حيرة إذا تجوّل في هذا المعرض، فغالبية الناس هنا تبرّر الأمر قائلة: «نحن نسدي للحيوانات خدمة باصطيادها، هذا يمنع تزايدها إلى درجة تجعلها تعاني في الحصول على الطعام»، أو «صيد الحيوانات رياضة، إنها ثقافة». ففي إحدى زوايا المعرض يقول الصياد جيو سوزيي، وهو سليل عائلة تتخصص في رياضة الصيد: «أدرب الراغبين في الصيد، وأشرف على الرحلات الخاصة بذلك. هناك إقبال كبير من مختلف الجنسيات الخليجية والغربية، إنهم يحبون الصيد بمقدار ما أحبه». هنا يفاجَأ الزائر بالتغني بالسلاح وبفن قتل الحيوانات، وببقاياها التي يُحتفظ بها للذكرى السعيدة بانتصار الإنسان. فتعرض شركات كثيرة أسلحة فاخرة من بنادق ومسدسات وكماليات عدة الصيد بأسعار تصل إلى أكثر من نصف مليون دولار، وتتنافس أخرى بعرض سكاكين وسيوف يتراوح سعرها بين 4 آلاف و200 ألف دولار، وحيوانات محنّطة وعظام منحوتة وجلود تبدأ أسعارها من ألف وتصل إلى 10 آلاف دولار. للصيد أخلاق «تحتاج أحياناً إلى نحو ست سنوات لتصبح صياداً محترفاً، لكن في رحلة صيد مع مُحترف تحقق الأمر في وقت أسرع. وتعتبر ناميبيا من أفضل الأمكنة للصيد حيث نأكل ما نصطاده»، كما تقول دانين فندرفيستايزن، مديرة شركة «Arugamelodge». وتضيف: «رحلات الصيد فيها متعة وفائدة، ليس للكبار فحسب. فنحن نعلّم الأطفال أخلاقيات الصيد، لذا من المهم أن يدركوا وجوب عدم قتل الحيوانات لمجرد القتل، فللصيد أخلاق». لكن رحلات، كتلك إلى ناميبيا، تكلف من 7 آلاف إلى 9 آلاف دولار، في عرض لصيد خمسة حيوانات على مدى أسبوع. أما إذا تضاعفت المدة والصيد، فيصل السعر إلى 12 ألف دولار! ويصرّ العديد من أصحاب عروض رحلات الصيد في «معرض الصيد والفروسية» على أن قتل الحيوانات ليس مجرد متعة ورفاهية بل حاجة وضرورة! فيقول تشارلي لارو، الصياد المحترف في شركة «True Reflection Taxidermy» :»الصيد هواية ورياضة مهمة، فعلى الإنسان أن يصطاد حتى يبقي الحيوانات ضمن أعداد معقولة، ونحن نأكل اللحم ونتبرع بالباقي منه». ويتابع شريكه راين بيني الحديث قائلاً: «نوفر لزبائننا الاحتفاظ بتذكار كرأس غزال أو جاموس بري، الأمر يعني لهم الكثير». وتنحصر غالبية رحلات الصيد التي يقبل عليها زوار المعرض في أفريقيا، وبخاصة في جنوبها. لكن المعرض استقطب هذا العام العديد من الشركات التي تعرض رحلات في أماكن أخرى، مثل إسبانيا والنمسا وجزر بعيدة. ويقول نيكولا دي ماريني صاحب شركة «Marigny»: «نعرض صيد الأيائل في جزيرة موريشيوس، وتبلغ كلفة الرحلة كسعر متوسط 3800 يورو. ونستطيع توفير صيد الطيور للجمهور الخليجي الذي يهتم بها أكثر من الأنواع الأخرى، فحوالى 70 في المئة من الإماراتيين مثلاً يفضلونها». ويشدّد أصحاب شركات رحلات الصيد وأدواتها على الجانب الأخلاقي ليُبرروا عملهم، معتبرين أن عدداً لا بأس به من الزوار قد لا يحبذون قتل الحيوانات وإنما يأتي بهم الفضول أو الإعجاب بالأسلحة باعتبارها مدعاة قوة. كما يشددون على قانونية الصيد، فيقول كور كاريزوسا الصياد الإسباني المحترف: «الصيد الذي نمارسه مرخّص. نحن لا نتعدى على حقوق الحيوان أو المحميات، ولا نقتل للمتعة أو الرفاهية». لكن المبالغ التي تدفع للصيد هي غالباً كبيرة إلى درجة تجعل الأمر صعب التصديق، فرحلات الصيد في إسبانيا تبدأ من 6 آلاف دولار وتصل إلى 150 ألف دولار. ويقول مدير البرنامج الوطني للرفق بالحيوان في الإمارات وليد مبارك الشكيلي إن البرنامج ليس ضد الصيد وإن «معرض الصيد والفروسية أسّس لمنع الصيد الجائر»، وهو «يؤسس لالتزام القوانين واللوائح في الصيد ويهتم بحماية الحياة البرية والحيوانات المهددة بالانقراض، وحتى الضالة». وتحاول الإمارات تقنين عمليات الصيد غير القانونية، وتعمل جهات عدة فيها على دعم الحياة البرية وملاحقة الاتجار غير القانوني بالحيوانات وتهريبها. لكن الصيد يبقى أمراً خاصاً إلى حد كبير، فيصبح توفير منصة منظمة له أمراً يقلل الممارسة العشوائية، ويضيف طابعاً توعوياً إذ تنتشر العديد من المنصات في زوايا المعرض لعرض حيوانات للتبني وتحبيب الأطفال بها، وأخرى تدعو للرفق بها وتعرّف بالأنواع الموشكة على الانقراض أو تلك التي تعاني الصيد الجائر. وتعتبر المدافعة عن حقوق الحيوان سوزي تارلو أنه «قد يصعب تفهم رياضة الصيد في زوايا عدة، لكن مما لا شك فيه أنها تداعب غريزة العنف في الإنسان». وتشير إلى أن «الأمر متجذر ومعقد في عمق الإنسانية. القتل كرياضة أو لأي دافع آخر يصعب تبريره، إلى درجة تماثل صعوبة تبرير كل جرائم البشر وأخطائهم».