إلى أي مدى يمكن أن يكون القرار الإداري مؤثراً على مستواك المعيشي؟ وهل يمكن أن يتسبب توقيع موظف حكومي في ضياع ما جمعته بكدح سنين شبابك؟ وأن يُطِيح بك إلى مصاف من يعتاشون على الزكاة والصدقات؟ وهل يخطر ببالك أن يكون ذاك الشرح الذي أجراه المسؤول على معاملتك هو نهاية عصر نعمائك، وبداية مرحلة سعيك مرة أخرى خلف الستر والكفاف؟ أحدهم كان قبل ثلاثين عاماً يملك مؤسسة تجارية، تقدر قيمة معداتها بأكثر من 20 مليون ريال، ونتيجة لمماطلة صاحب أحد المشاريع في الوفاء بالتزاماته تقدم العاملون لدى هذا التاجر بشكوى إلى إمارة المنطقة للمطالبة بحقوقهم، وللفقر النظامي الذي يعانيه أحد المسؤولين وغياب ثقافة الاحتكام للنظام، تولى هذا المسؤول وظيفة القضاء، وقرر إيقاف التاجر مدة أسبوعين، وباشر في أثنائها بحجز معدات التاجر، ثم بيعها بنصف قيمتها، وتوزيع القيمة على الغرماء. خرج من كان تاجراً في أمسِهِ من التوقيف، ليجد نفسه معدماً في حاضرهِ، وليقضي سنين شيخوخته معتمداً على صدقات المحسنين وزكواتهم، وجهلاً منه بحقوقه لم يتظلم من تصرفات جهة الإدارة إلى القضاء الإداري خلال المدد النظامية. هذا المثل الواقعي نادر الوقوع على مستوى كارثيته بالنسبة إلى المواطن، ولكنه شائع الحدوث بالنسبة إلى انتهاك حقوق المواطن المصانة، وافتئات بعض الجهات على سلطات القضاء. وباستبعاد سوء النية والقصد في تصرفات جهة الإدارة، ينجلي لنا أحد أهم أسباب اعتداء جهات الإدارة على حقوق المواطنين، وهو قلة وعي الموظف الحكومي بها. وجهل المواطن بحقوقه لا يبرر بأي وجه جهل الجهات الإدارية بها، فالمبتغى من وظيفة الجهات الحكومية هو حفظ حقوق المواطنين ورعايتها وصونها من العدوان عليها، وهنا تأتي وظيفة الأنظمة لتحدد صلاحية جهة الإدارة، وتفرض عليها القيود والضوابط ضماناً لحقوق المواطن، وحجزاً لجهة الإدارة عن انتهاكها. * قاضٍ في ديوان المظالم سابقاً. [email protected]