ابلغت المعارضة اللبنانية رئيس الجمهورية ميشال سليمان رفضها «ما حصل اول من امس، شكلاً ومضموناً»، لكنها ابدت استعدادها «للاستمرار في النقاش والحوار بما تقتضيه مصلحة البلد في ما يؤمّن الوحدة الوطنية لإيجاد حل للأزمة القائمة». وكان سليمان استقبل في مقر اقامته في بيت الدين، وفداً من المعارضة بعد اقل من 24 ساعة على تقديم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري له لائحة بأسماء وزراء الحكومة المقترحة والحقائب فيها، وهي خطوة اثارت اعتراض رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النيابي ميشال عون والأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله واستدعت اجتماعاً استثنائياً لممثلي المعارضة ليل اول من امس للبحث في كيفية التعامل مع خطوة الحريري. وضم وفد المعارضة الى بيت الدين: وزير الاتصالات في حكومة تصريف الاعمال جبران باسيل والنائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام ل «حزب الله» حسين خليل. وأعلن باسيل بعد اللقاء ان الوفد ابلغ الرئيس «موقف المعارضة الرافض لما حصل البارحة شكلاً ومضموناً. فما حصل، عدا عن انه يشكل سابقة لم نشهدها، أي أن عملية التأليف تتم بالاتفاق بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية، هو ان يطرح بهذا الشكل وكأنه يأخذ البلد الى مزيد من التأزيم، في وقت نحن كمعارضة ابدينا ولا نزال كل الايجابيات اللازمة لتسهيل الامور وتمتين الوحدة الوطنية». وقال باسيل ان المعارضة تعتبر «أن ما حصل أمر غير لائق، لا بديموقراطيتنا ولا بأسلوب التعاطي معنا. نحن كنا نطلب من الرئيس المكلف تقديم صيغة مقابلة لمطالبنا كي يتم النقاش في شأنها. ولكن عليه ألا يرمي في وجه الجميع حالة يشعر فيها الانسان بأن فيها نوعاً من التأزيم للأمور، أبلغنا هذا الموقف الرافض، ولكن، في المقابل، أبدينا كل الاستعداد للاستمرار في النقاش والحوار بما تقتضيه مصلحة البلد بما يؤمّن الوحدة الوطنية كي نستطيع إيجاد حل للأزمة القائمة». وأضاف: «لسنا آتين لنحمّل بعضنا بعضاً المسؤوليات. إن المعارضة لا تلعب، ونحن جميعنا مسؤولون عن الحفاظ على وحدة البلد. وإذا أخطأ أحد في هذا المجال فنحن مستعدون لأن ندفع منا كي نصحح ونعيد الامور الى مسارها الطبيعي». اما النائب خليل فأوضح ان «هناك دوراً أساسياً لفخامة الرئيس سيلعبه». والتقى سليمان كلاً من وزير الشباب والرياضة في حكومة تصريف الأعمال طلال ارسلان ووزير الدولة وائل ابو فاعور وبحث معهما في تطورات الشأن الحكومي. كما التقى النائب دوري شمعون يرافقه مجلس بلدية دير القمر. وكانت المواقف المعارضة لخطوة الحريري توالت امس، وأبدى الرئيس السابق للجمهورية اميل لحود خشيته «من سوء تطور الامور في لبنان في ظل انتفاء عناصر الحوار الجدي والمجدي بين الفرقاء السياسيين ومراهنة البعض على مغامرة الاستئثار بمفاصل الحكم او العمل بوحي الارادات الخارجية التي لم ترد يوماً خيراً للبنان، وثبت ان مثل هذه التصرفات مصيرها الفشل وانحسار مساحة التوافق في لبنان وازدياد مخاطر الشرذمة وتداعي مفهوم الدولة وتمكن العدو الاسرائيلي من فرض مخططاته الخطيرة على لبنان بدءاً من التوطين». واستنكر «المنحى الذي سلكته عملية تشكيل حكومة الائتلاف الوطني والتي تمت خلالها اطاحة النصوص والممارسة الدستورية المرعية والتوافق الوطني فانقلبت الادوار بين المواقع الدستورية، وأضحت الكتل السياسية الفاعلة غير قادرة على تزكية من يمثلها تحقيقاً لأصدق وأوسع تمثيل في اطار الائتلاف المنشود». ورأى عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية حسين الموسوي أن «هذا التشكيل الحكومي فيه من التسرع والخطأ بما لا يتناسب مع وضع بلد يحتاج إلى مزيد من الحكمة والتعاون والصبر في حوارنا مع بعضنا بعضاً». وأعرب عن اعتقاده بأن رئيس الجمهورية لن يوقع على مرسوم تشكيلة كهذه، لأنه يصرح بأنه لن يوقع على شيءٍ يوصل إلى خلاف ونزاع بين اللبنانيين». وأكد أن «حزب الله يتعاون مع الرئيس المكلف، والتيار الوطني الحر، وكل من يسعى إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية». واعتبر عضو الكتلة نفسها النائب نوار الساحلي ان «تقديم تشكيلة حكومية لرئيس الجمهورية، ليس تطبيقاً لما كان يقال في المشاورات والاجتماعات التي كانت تحصل، فليس بهذه الطريقة تؤلف حكومة وحدة وطنية». وقال: «ان الشراكة الحقيقية، عندما نساهم في تأليف الحكومة ويكون لكل فريق سياسي الحق في تقرير من يريد ان يكون وزيراً»، وقال: «اذا اراد الرئيس المكلف ان يقوم بعملية بهلوانية وبنوع من الانقلاب على الاتفاقات، فنكون عدنا الى نقطة الصفر وألغينا مبدأ المشاركة». ووصف أمين سر تكتل «التغيير والاصلاح» النيابي ابراهيم كنعان التشكيلة التي قدمها الحريري ب «الخطوة التي لا تراعي الأصول الدستورية التي تنص بكل وضوح في المادة 58 المتعلقة بتأليف حكومة وحدة وطنية على وجوب التفاهم مع رئيس الجمهورية في عملية التشكيل»، مشيراً الى أن «هذه المرة الأولى التي يتسلم فيها الرئيس في قصر بعبدا تشكيلة كاملة من دون أن يكون مشاركاً فيها ويطلب منه الرد عليها»، مؤكداً أن «هذا التصرف فيه انتقاص من صلاحيات الرئاسة، وهذا أمر لا يجوز لأن مسألة الصلاحيات هي من أهم المواضيع وهناك نهج حالي يستهدف هذه الصلاحيات». ورأى أن «محاولة وضع رئيس الجمهورية في موقع تصادمي مع فريق من اللبنانيين هي مسألة خطيرة، كما أن محاولة زج التيارات السياسية المعارضة في هذا الوضع تعتبر أمراً يتنافى مع كل المعايير والشعارات والعناوين التي انطلقت منها عملية تأليف حكومة الوحدة الوطنية». وكان نائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم اعتبر «ان البلد مر سابقاً بتجربتين: تجربة حكومة الاستفزاز الوطني وتجربة حكومة الوحدة الوطنية، في تجربة الاستفزاز الوطني لم يبق مرفق إلا وتعطل ولم يبق استقرار إلا واختل على المستوى السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي. وجاءت تجربة حكومة الوحدة الوطنية بعد اتفاق الدوحة وهي تجربة ناجحة لأنها أعادت الاستقرار إلى البلد، وجعلت البحث في القضايا ذات الاهتمام الوطني، نقلتنا لانتخاب رئيس للبلاد وإجراء الانتخابات النيابية وسير للمواقع الدستورية المختلفة، وبدأ النقاش ببعض القضايا التي تهم الناس، فهي على الأقل كانت ناجحة بقدر. ولأن هذه الحكومة كانت موقتة بتوقيت الانتخابات النيابية لم تكن لديها فرصة كافية لتعطي كل شيء. إذاً، بين تجربة الاستفزاز الوطني وحكومة الوحدة الوطنية كانت الأخيرة هي الأنجح. من هنا دعونا بعد الانتخابات النيابية إلى حكومة وحدة وطنية، وهي تعني التوافق وتذليل العقبات بالحوار وبالتنازلات المتبادلة، وبالتالي كلما كان النقاش بعيداً من الإعلام وفي الغرف المغلقة، يمكن أن يصل الحوار إلى نتيجة، أما عندما يخرج الحوار إلى مباراة سياسية على المنابر وشروط وشروط مضادة، فهذا يعني أنه لا توجد نيات جدية لحكومة الوحدة الوطنية». فضل الله: لا فريق معفى من المسؤولية وأكد المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله أن «التعقيدات التي ترافق الأزمة الحكومية لا تعفي أي فريق وأي مسؤول من المسؤولية، وترك الأمور في مهب الفراغ أو رهينة للتطورات، يمثل تخلياً عن المسؤولية». ورأى أن «الفرصة لا تزال سانحة للخروج من حال التوتر إلى أجواء أكثر إيجابية، وخصوصاً من خلال اعتماد خطاب غير تصادمي»، داعياً «الجميع إلى العمل جدياً بعيداً من همسات الخارج، لأن الذي يكتوي بالنار الاقتصادية وبلهيب المشاكل السياسية في نهاية المطاف، هو الشعب اللبناني الذي يعاني الأمرّين على أبواب العام الدراسي الجديد، وفي ظل التراكم المستمر للملفات الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تلاحقه». ورأى الأمين القطري لحزب «البعث الاشتراكي» فايز شكر بعد زيارته نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان ان «ما تقدم به الرئيس المكلف من تشكيلة للحكومة فاجأ كل اللبنانيين والعالم، هذه الطريقة التي تم اعتمادها من الرئيس المكلف مع الرئيس سليمان غير مسبوقة ولم تحصل قبل الطائف ولا بعده، كان حرياً بالرئيس المكلف ان يستكمل كل المشاورات من اجل تأليف حكومة ترضي القسم الأكبر من اللبنانيين لأنه لا يوجد حكومة في الكون ترضي كل اللبنانيين، إذا كانت المسألة كما قال احد السياسيين تسلية ولعباً، فكفى لعباً وكفى تسلية وكفى مقامرة بمصالح اللبنانيين وبمؤسسات هذا البلد لأن لبنان لم يعد يحتمل أي تجربة يجب ان تجرب مع فريق من الفرقاء السياسيين في هذا البلد».