قضايا السياسة والمجتمع كانت حاضرة في الدراما المصرية على نحو غير مسبوق هذه السنة. من تابع أعمال رمضان الفائت يلحظ أن صناع الدراما المصرية كانوا كمن يريد أن يقول كل شيء عن كل شيء. ربما نجد تفسيراً لذلك في التطورات العاصفة التي عاشتها مصر ولا تزال، والتي جعلت الدراما التلفزيونية تفرط في القول بقدر ما كان ذلك ممنوعاً عليها سابقاً، وما كانت تعبّر عنه مداورة معظم الأحيان، فرأيناها تتناوله هذه المرة في صور وأساليب فكرية وفنية مباشرة. قيل سابقاً إن الدراما التلفزيونية للدولة بينما السينما للناس، وكانت تلك «الوصفة» تعبّر عن «تساهل» الرقابة الرسمية مع قضايا المجتمع والسياسة في السينما بسبب من محدودية جمهور الفيلم بينما تتشدد مع الدراما التلفزيونية التي تدخل كل البيوت. هي ملاحظة نعتقد بأنها لا تتعلق بدراما هذه السنة وحسب ولكنها تؤشر الى القادم الذي لا شك في انه سيملأ الشاشات الصغيرة في المواسم المقبلة سواء أكانت رمضانية أم غير رمضانية، وحتى درامية او غير درامية. فما شاهدناه من أعمال – وبالطبع بكل ما تحمله هذه الأعمال، من قضايا ومشكلات – إنما يشير إلى انبثاق «لغة» درامية مختلفة تذهب أكثر فأكثر نحو الواقعية في الشكل والمضمون على السواء. وذلك يعني بدرجة أولى وخصوصاً، الابتعاد من الغرق في العموميات، كما من القصص التلفزيونية الأقرب الى الافتراضية منها الى الواقعية. هو أيضاً مضمون يعيد خلق أشكاله الفنية ولا يمكنه أن يتحرك في معزل عنها. وربما نجد دليلاً ساطعاً على ذلك في جنوح هذه الدراما هذا الموسم، بصور لافتة نحو تجديد الصورة التلفزيونية في الدراما التي بثّت خلال رمضان الفائت، سواء أكان ذلك في اختيار أماكن التصوير والاعتماد في صورة أكبر على التصوير في الأماكن الطبيعية، أم حتى في اجتراح حلول إخراجية تحمل جماليات فنية أعلى وأكبر. ثمة ملاحظات يمكن تسجيلها على هذا العمل أو ذاك بالطبع، لكننا نشير هنا بالذات الى المستوى الفني والفكري المختلف الذي يجعلنا نقول بثقة إن الدراما المصرية حققت تفوقاً على نفسها حين راحت تتحرّر أكثر فأكثر من أساليب العمل التقليدية، وتستفيد في الوقت ذاته من التغيرات الكبرى لتقتحم عوالم سياسية واجتماعية شائكة تتصل بالحياة المصرية في وجوهها المتعددة وتحديداً العوالم التي تعكس صور الفئات الاجتماعية الوسطى والفقيرة، وتلامس واقعها بجدية أكبر وأكثر عمقاً. هل يدعونا هذا لأن نتفاءل بأن الدراما ستصبح هي الأخرى للناس كالسينما أم حتى تتجاوز السينما؟