لن تنجح أي مبادرة من تلك التي تُطلق لتهدئة الأوضاع في مصر أو تخفيف الاحتقان بين الإخوان والحكم، أو لإقناع الجماعة منع تظاهراتها أو وقف السلطات الرسمية عن توقيف قادتها. فالتطورات والأوضاع على الأرض تجاوزت أي مبادرة تتضمن اقتراحات كتلك، سواء التي يروج لها بعض حلفاء أو مناصري الإخوان أو حتى من الحالمين داخل دولاب الحكم، وجعلت المبادرة مجرد «مكلمات» تتيح للمنظرين ورموز النخبة الفرصة للحديث تحت الأضواء وأمام العدسات من دون أن تتحول واقعاً مؤثراً. صار لازماً أن يقر طرف بفشله أو قل هزيمته، ولأن الإخوان درجوا على عدم الاعتراف بفشل أو الوقوع في خطأ وإنما يُحمّلون الفشل والأخطاء أطرافاً أخرى، ولأن الحكم ماض في طريقه مدعوماً بتأييد شعبي فإن صلحاً بين الطرفين لن يتم. وسيمضي الإخوان إلى نهاية الطريق، وكلما خطا الحكم خطوة في خريطة الطريق السياسية دون توقف ستستمر تظاهرات الإخوان على «الجزيرة مباشر مصر» حاشدة مدوية، غائبة عن الواقع عديمة التأثير في الأرض. نعم تملك جماعة الإخوان فروعاً في دول أخرى غير مصر تعمل بكل جهد على إنقاذ الجماعة الأم ودعمها ومساندتها وتحفيز المؤسسات الدولية والجاليات وحكومات مواطني الدول الأخرى على تأييد إخوان مصر أو على الأقل التعاطف معهم، وصحيح أن تنظيم الإخوان سواء في مصر أو باقي الدول لا يعاني فقراً مالياً بل على العكس لديه روافد تصب فيه ما يعين التنظيم على مواجهة أعدائه والإبقاء على نشاطه وتعويض خسائره، ومعلوم أن الإخوان لديهم قدرات هائلة على التعامل مع الجمعيات الأهلية ذات العلاقة بحقوق الإنسان داخل مصر وخارجها وتحصل منها على البيانات والتقارير التي تتضمن إدانات للسلطات والحكم، وهم كذلك يجيدون التعاطي مع التقنيات بدءاً من أجهزة الحاسوب ومواقع التواصل الاجتماعي ونهاية بالفضائيات وأمور البث والاستقبال وتجهيز «الكليبات» والمشاهد واللقطات، وحقيقي أن شبكة «الجزيرة» بكل قنواتها تحولت إلى آلة دعاية ضخمة تساند الإخوان، وتبرر تصرفاتهم، وتخلق واقعاً غير موجود على الأرض، وتحفز الناس في مصر وخارجها على «مساندة الشرعية» وتبكيهم على «الصناديق التي أبطلت» و»الديموقراطية التي أطيح بها» وتسوّق لعبارات وكلمات وكأنها من المسلمات أو مفردات العصر، كالانقلاب والشرعية والملايين التي أصبحت تملأ الميادين منذ إقالة مرسي!! لكن كل هذا لن يعيد مرسي إلى مقعده، ولن يرد للإخوان حكم مصر، ولن يجدي في تحريض الناس على الجيش أو الشرطة أو الحكم، أو يدفع بالملايين إلى الخروج والمطالبة بإعادة الحكم إلى الجماعة. الإخوان يحتاجون إلى مراجعة وهي الشيء الوحيد الذي لم يبحثوا عنه أو يفكروا فيه منذ بدأوا الوقوع في أخطاء فادحة أدت إلى المصير الذي آلوا إليه والحال التي هم عليها الآن. وحتى بعد كل ما جرى لم يخرج صوت واحد فقط من بين الإخوان ينتقد سلوك الجماعة أو يفسر الفشل أو يعترف بخطأ. احتجاجات الإخوان والتعبير عن غضبهم ومسيراتهم واعتصاماتهم ليست بالأمر الجديد، فقد مارسوها في ظل حكم مبارك، حتى ولو بمستويات أقل، لكن المدهش أنهم مارسوها أيضاً وهم يحكمون! وعلى ذلك فإن عبارة «شيطنة الإخوان» التي تروج لها الجماعة ومناصروها كلما تحدث أحدهم عن العنف الذي مورس ضد المعارضة أثناء فترة حكم مرسي أو ضد الكل بعد عزله، أو أفعال رموزها وقادتها وعناصرها لا تنطبق على الحال الإخوانية، إذ إن الجماعة شيطنت نفسها قبل أن يشيطنها أحد آخر. تتعدد نماذج وأمثلة وأدلة ممارسات الإخوان للشيطنة أثناء السنة التي حكموا فيها مصر من صدامات مع مؤسسات الدولة وقطاعات من الشعب وجهات وشخصيات ساندت وأيدت وانتخبت مرسي رئيساً، ما وسع الهوة بين الجماعة والرئيس من جهة وبين المجتمع من جهة أخرى، وإذا كان للإخوان ضحايا بسبب عنف الشرطة فإن الحقيقة الثابتة أن هناك ضحايا من المواطنين دفعوا ثمن تظاهرات واعتصامات الإخوان المسلحة. تلك هي معضلة الإخوان والتي صارت تتجلى في فشل أو قل غياب التأثير لتظاهراتهم ومسيراتهم ودعواتهم للعصيان، إذ لم يعد هناك مستجيبون إلا رجال ونساء الجماعة وبعض من المنتسبين إلى التيار الإسلامي. ومع أن نشاط الجماعة على الأرض يعطل عمل المصريين، ويضع عقبات أمام أي جهود للتنمية، ويصيب السياحة، ويضرب الاقتصاد، ويزيد من الأزمات المعيشية للناس، لكن ما لم تفطن إليه الجماعة أن تلك أمور تزيد من السخط الشعبي ضد الإخوان وترفع وتيرة المطالبات بإبعادهم وإقصائهم عن المشهد، ولا يفسرها الناس على أنها فشل للحكم وإنما ثمن للخلاص من العنف. لم تكن تجربة حكم الإخوان لمصر طيبة سواء للمصريين أو للجماعة نفسها، وعلى الخاسر أن يعيد حساباته ويختار بداية جديدة إلا إذا قرر وبصورة حاسمة ألا تكون له بدايات وإنما نهايات فقط!