أشعل إعلان روسيا أنها «لن تخوض حرباً ضد أحد» نقاشاً ساخناً حول التدابير البديلة التي قد تلجأ إليها موسكو في حال توجيه ضربة غربية للنظام السوري. ومع استبعاد فرضية «الصفقة السرية»، تبدو روسيا مصممة على محاولة عرقلة مسار الحل العسكري، أو على الأقل «جعل مهمة أي تحالف غربي معقدة أكثر» كما يقول خبراء. ويتساءل كثيرون في موسكو عن سر الصمت الأخير للرئيس فلاديمير بوتين، إذ لم يُصدر الكرملين أي تعليق على الحدث السائر بقوة إلى تعقيد أكبر، واكتفت موسكو بالجهود الديبلوماسية التي تديرها وزارة الخارجية، مع تصريحات صدرت عن المؤسسة العسكرية تصب في غالبها على تأكيد رغبة موسكو في «المراقبة والاكتفاء برصد التطورات وجمع المعلومات في حال انفجر برميل البارود المُعد للمنطقة». يعتقد خبراء أن صمت بوتين، الذي ترك المشهد الساخن حول سورية وذهب في رحلة عمل إلى أقصى الشرق الروسي، يعود إلى قناعة الكرملين بأن روسيا لا تستطيع اعاقة تحرك عسكري غربي محتمل خارج مجلس الأمن. وبات مطبخ القرار الروسي يفضل الانتظار وترك الحلفاء الغربيين «يتورطون أكثر» في مستنقع تدرك موسكو أنه سيزيد تعقيد مشكلاتهم داخلياً ودولياً. لكن ذلك لا يعني أن موسكو ستكتفي بالجلوس في مقاعد المتفرجين من دون عمل، وإن كان ليس ظاهراً لكن من شأنه تعقيد مهمة الغرب. ولا الإعلان عن عدم الرغبة في خوض حرب ضد أي طرف، أن موسكو لن تجد وسائل أخرى للتعبير عن غضبها رداً على المواقف الغربية التي تجاهلت اعتراضاتها على المسار العسكري مع مواصلة تعزيز مواقعها تحضيراً لمرحلة مقبلة. بين ذلك تكثيف صادرات السلاح الروسي إلى دمشق في المرحلة المقبلة، وزيادة التنسيق الاستخباراتي معها، عبر تزويدها بمعطيات أساسية تزيد قدرة النظام على المواجهة. وتعزيز الصلات والتنسيق مع إيران، في مقابل تقليص التنسيق والتعاون مع الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً في ملفات عدة. ويقود هذا المدخل الذي يتحدث عنه خبراء مقربون من الكرملين، إلى زيادة الفتور في العلاقات الباردة والمعقدة، بين موسكو وواشنطن، ويتحدث البعض عن مستوى غير مسبوق من المواجهة الصامتة يجعل العلاقات شبيهة بتلك التي نشأت خلال الأزمة الكوبية في 1962. وطغت تطورات الموقف في اليومين الماضيين على وسائل إعلام روسية، ترى أقلية منها أنها قد تأخذ منحى مناقضاً، لأن أوباما يراهن على إقناع نظيره الروسي خلال لقاء يجمعهما الخميس المقبل، بأن الوقت لا يزال متاحاً للانضمام إلى جهود الغرب في تحجيم قدرات النظام على استخدام أسلحة محرمة في مقابل دفع عملية التسوية السياسية في المرحلة اللاحقة بحضور روسي قوي. ويعتبر البعض أن التدخل العسكري الغربي بهذه الطريقة يرفع عن كاهل موسكو التي اعترضت على الحرب طويلاً، مسؤولية معينة، ويمنحها قدرة على المناورة بشكل أوسع في المرحلة اللاحقة، ليس فقط في الملف السوري إنما في ملفات خلافية عدة. ويرى محللون روس أن موعد توجيه الضربة سيكون مؤجلاً في الغالب إلى ما بعد القمة الروسية – الأميركية. ميدانياً، لا تبدو المؤسسة العسكرية مرتاحة جداً للوقوف جانباً ومراقبة المشهد من بعد. وما إن بدأ الحديث عن احتمالات توجيه الضربة حتى انهمرت التصريحات من جانب بعض الصقور بأن قدرات الدفاع الجوي (الروسية الصنع) عند دمشق ستفاجئ العالم، وتكبد المهاجمين خسائر فادحة. تزامن ذلك مع تحركات السفن الروسية التي «ستكتفي برصد تحركات المتحاربين» كما قال متحدث في سلاح البحرية. لكن ومع إعلان موسكو رسمياً عدم نيتها المشاركة في أي حرب، وأن السفن تقوم بمهام دورية في المتوسط، تبدو تحركات الأسطول الروسي لافتة. ووفق المتحدث ستتواصل التعزيزات في مجموعة السفن الحربية المرابطة هناك، وستنضم سفينة حربية كبيرة مضادة للغواصات تابعة لأسطول الشمال، إلى «الأرمادا الروسية» في المتوسط، يتبعها الطراد الصاروخي «موسكوفا» التابع لأسطول البحر الأسود، كما سيحل الطراد الصاروخي «فارياغ» محل السفينة «بانتيلييف» المضادة للغواصات الموجودة حالياً.