لندن، نيويورك - «الحياة»، أ ف ب، رويترز - أعلنت واشنطن أمس إرسال مدمرة أميركية خامسة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط استعداداً لضربة عسكرية قالت الولاياتالمتحدة إنها لردع النظام عن معاودة استخدام الأسلحة الكيماوية، في حين واجه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون نقاشاً صعباً في البرلمان الذي دعاه إلى إجازة مشاركة لندن في الضربة العسكرية لسورية. وقالت مصادر في المعارضة السورية ل «الحياة»، إنها تبلغت من مسؤولين غربيين بأن الضربة العسكرية ستكون «متدحرجة» وأن تطور العمليات يتوقف على رد فعل النظام واحتمالات تصعيده إقليمياً. وعقدت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن اجتماعاً جديداً مساء أمس حول الوضع في سورية، بعدما فشلت أول من امس في الاتفاق على مشروع قرار قدمته بريطانيا يجيز التحرك بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة للرد على استخدام السلاح الكيماوي. وقال مصدر في الأممالمتحدة إن روسيا هي التي طلبت عقد الاجتماع. وقالت مصادر ديبلوماسية ل «الحياة» إن الولاياتالمتحدة تسعى إلى الابتعاد عن الأممالمتحدة بشقيها، مجلس الأمن والجمعية العامة، حرصاً على عدم تقييد يديها في المسألة السورية، وخوفاً من أن تتورط في مماطلة ديبلوماسية تعوق أو تعرقل خياراتها، وخصوصا العسكرية. وأضافت أن هذه الرغبة الأميركية تم إبلاغها إلى أكثر من طرف معني بالتحرك في الجمعية العامة الذي تقوده دول عربية وتركيا، أو في مجلس الأمن الذي تقوده بريطانيا. ومن المقرر أن يرفع محققو الأممالمتحدة الذين يغادرون الأراضي السورية غداً تقريرهم إلى الأمين العام بان كي مون ومجلس الأمن الأحد أو الإثنين، من دون أن يقول من استخدم السلاح الكيماوي النظام أو المعارضة. وكانت موسكو أعلنت أمس أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفق مع المستشارة الألمانية أنغيلا مركل في اتصال هاتفي على ضرورة درس مجلس الأمن تقرير المفتشين حول الاستخدام المفترض لأسلحة كيماوية في ريف دمشق. واعتبرت المستشارة الألمانية أن «الهجوم غير الإنساني بالغاز على السكان المدنيين السوريين يتطلب رداً دولياً»، وفق ما نقل عنها الناطق باسمها شتيفن سايبرت في بيان. وأكد مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية أمس، أن الولاياتالمتحدة سترسل مدمرة إلى قبالة السواحل السورية ما يرفع عدد السفن الحربية في شرق المتوسط إلى خمس. وقال إن «المدمرة ستاوت موجودة في المتوسط ومتوجهة شرقاً». وأضاف أن هذه السفينة الحربية ستحل محل المدمرة «ماهان»، لكن السفينتين ستبحران معاً مع ثلاث مدمرات أخرى لفترة غير محددة قبالة السواحل السورية. وهناك أربع مدمرات أميركية في شرق المتوسط حالياً، هي «ماهان» و «راماج» و «باري» و «غرايفلي» مزودة صواريخ «توماهوك». ولم يحدد المسؤول فترة بقاء المدمرة «ماهان» في المنطقة قبل أن تعود إلى ميناء نورفولك على الساحل الشرقي الأميركي الذي أبحرت منه في نهاية العام الماضي. وتتكتم البحرية الأميركية على عدد الصواريخ التي تحملها كل من هذه المدمرات. من جهة اخرى، أوضح المسؤول الأميركي أن حاملة الطائرات «نيميتز» والسفن المرافقة لها والتي حلت محلها الإثنين الماضي الحاملة «ترومان» ستبقى في المنطقة تحت قيادة الأسطول الخامس الأميركي. وقال: «طلب من (حاملة الطائرات) نيميتز أن تبقى في مكانها في منطقة الخليج» لفترة لم يتم تحديدها. وفي معلومات لم تتأكد من مصدر آخر، قالت شبكة تلفزيون «سي أن أن» الأميركية إن وزارة الدفاع أرسلت أيضاً غواصتين جديدتين إلى شرق المتوسط. وتشارك وزيرا الخارجية والدفاع الأميركيان جون كيري وتشاك هاغل أمس في تقديم إحاطة إلى مسؤولين في الكونغرس بشأن التطورات في سورية، وقال مسؤولون إن مستشارة الأمن القومي سوزان رايس ومدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر شاركا أيضاً في إطلاع قادة الكونغرس على المستجدات في لقاء عبر دائرة تلفزيونية مغلقة مساء امس. وشكا بعض المشرعين الجمهوريين والديموقراطيين كذلك من أن الإدارة لم تطلعهم بشكل كاف على الوضع وعلى الرد الأميركي المحتمل. ونقلت وكالة «أسوشييتد برس» الأميركية عن مسؤولين في الاستخبارات قولهم إن التقارير التي تربط الرئيس السوري بشار الأسد أو حلقته الضيقة بالهجوم الكيماوي الأخير ليست أكيدة، مع بقاء أسئلة حول من يسيطر على الأسلحة الكيماوية في سورية، وشكوك حول أن يكون الأسد أعطى بنفسه أمر الضربة. ومع أن أوباما صرح الأربعاء أن إدارته متأكدة من مسؤولية النظام السوري عن الهجوم، إلا أن مسؤولين أميركيين عديدين وصفوا التقرير الاستخباري بأنه «ليس مبرماً». ومضى البيت الأبيض باستعداداته للضربة في حال اتخذ الرئيس أوباما قراره، مؤكداً على وجود «أدلة ظرفية كثيرة على استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي». وقال نائب الناطق باسم البيت الأبيض جوش ايرنيست أن الادارة لديها «الكثير من الأدلة الظرفية» عن استخدام نظام الأسد السلاح الكيماوي. وسيتم استعراضها في التقرير المرتقب عن الاستخبارات. كما استعجلت الادارة اجتماعاتها مع الكونغرس، على رغم تأكيد ايرنيست أن أوباما ليس بحاجة الى موافقة من مجلسي الشيوخ والنواب في حال اتخذ قرار التدخل. غير أن وزراء الخارجية والدفاع جون كيري وتشاك هاغل ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس قدما ايجازاً مفصلا لقيادات في الكونغرس حول الملف السوري. كما اتصل كيري بنظرائه الفرنسي والقطري والبولندي. وفي لندن، أجبرت المعارضة العمالية رئيس الوزراء على انتظار تقرير مفتشي الأممالمتحدة قبل اتخاذ أي قرار حول هذا التدخل في سورية. وأكد كاميرون اقتناعه بأن النظام السوري شن هجوماً كيماوياً في 21 آب (أغسطس) رغم إقراره بأن مسؤولية هذا النظام «غير مؤكدة بنسبة مائة في المائة». والمذكرة الحكومية التي رفعها كامرون إلى مجلس العموم أمس تدين «استخدام أسلحة كيماوية في سورية من جانب نظام (بشار) الأسد» الأمر الذي «يتطلب رداً إنسانياً قوياً من جانب المجتمع الدولي قد يستدعي عند الضرورة عملاً عسكرياً يكون قانونياً ومتكافئاً ويهدف إلى إنقاذ حياة الناس ويمنع أي استخدام مقبل لأسلحة كيماوية في سورية». ولكن للانتقال من هذا الاتفاق المبدئي في حال تبنيه إلى البدء الفعلي للتدخل العسكري، فإن الاقتراح الحكومي يلحظ تصويتاً آخر بعد إعلان نتائج التحقيق الذي تجريه الأممالمتحدة. وفي باريس، اكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، الذي استقبل رئيس «الائتلاف الوطني السوري» المعارض أحمد الجربا لمدة ساعة في قصر الإليزيه، أن بلاده ستواصل تقديم الدعم السياسي والإنساني للمعارضة، لكنه امتنع عن الالتزام بتقديم مساعدات عسكرية. وقال هولاند بعد اللقاء إن على المجتمع الدولي أن «يوقف تصاعد العنف»، وإن «فرنسا ستقدم كل مساعدتها السياسية ودعمها للمعارضة كما نفعل منذ أشهر، وأيضاً ستقدم دعمها الإنساني والمادي». وتابع: «كما سنستخدم أيضاً الدعم الذي نملكه في دول الخليج» بهذا الشأن. من جهته، طالب الجربا المجتمع الدولي باتخاذ «قرار شجاع» والتدخل في سورية ضد نظام الأسد. وقال في مقابلة مع صحيفة «لوباريزيان» الفرنسية نشرت امس: «ليُضرب وليختف هذا النظام». وكررت إيطاليا أمس رفضها المشاركة في أي عملية عسكرية ضد سورية، وقال الوزراء إنريكو ليتا في تصريح: «إذا لم تؤيد الأممالمتحدة (العملية) فلن تشارك إيطاليا». لكنه أضاف أن بلاده تساند تماماً الإدانة الدولية للرئيس السوري، وقال: «على المجتمع الدولي أن يرد وبقوة على الأسد ونظامه وعلى الفظائع التي ارتكبت». وحذر قائد أركان القوات المسلحة الإيرانية الجنرال حسن فيروز ابادي، من عواقب أي عمل عسكري ضد سورية، مؤكداً أن «نيران» أي عمل عسكري في سوريا ستطاول الصهاينة»، وأكد أن «أي عمليات عسكرية جديدة ستسفر عن إلحاق المزيد من الخسائر بالمنطقة وهو أمر ليس في مصلحة أحد غير الصهاينة». وفي جنيف، حذرت «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» من أن أي تصعيد للأزمة السورية سيزيد من معاناة المدنيين.