ولو أن شعبية الرئيس الأميركي أوباما هذه الأيام في حضيضها بسبب سياسته المنحازة وغير المتوازنة مع الأحداث المصرية والسورية الأخيرة، إلا أن للرجل حديثاً لا بد من أن نتوقف أمامه، بعيداً عن دهاليز السياسة المحيّرة، وهو الانتقاد الذي وجهّه لحياة المشاهير في برامج ما يسمّى تلفزيون الواقع، وبخاصة برنامج عائلة «كيم كاردشيان»، فعلى حد وصفه ب «أنها برامج تربي النشء على أن مقياس النجاح هو السيارة الفارهة، والمنتجعات السياحية، وارتداء أزياء بيوت الموضة، ناكرة أهمية العمل على تنمية الشخصية، ومتناسية أن الحلم الأميركي كان يتضمن تعليماً جيداً للحصول على وظيفة مناسبة، وحد معقول من الأمان، وذلك لأن المادة الإعلامية التي يقدمها التلفزيون أسهمت في تغيير الثقافة العامة، فأصبح طموح المراهقين العيش مثل أولئك الأثرياء، وأي مقياس آخر للنجاح غير مرضٍ بالنسبة إليهم». وتلك رؤية تحليلية تعبّر عن حال كثير من الشباب الغربي والعربي على حد سواء. والملاحظ أن للإعلام - بمواده التي يقدمها - نصيب الأسد في اهتزاز بنية العقلية الناشئة، فحين تحرص قناة عربية مهمة مثل «إم بي سي» على بث وترجمة مثل تلك النوعية من البرامج الفارغة، فهذا لا يعفيها من تسيير المضمون الثقافي لدى شبابنا وشاباتنا نحو مزيد من التسطيح وانتظار الثروات الهابطة، بل إن من القيم التي يحملها هذا البرنامج تحديداً ما يطبِّع الخطأ والخطيئة، ويجعلهما شيئاً عادياً وعابراً، فإلى يومنا ونجمة المجتمع الأميركي- المجردة من الموهبة إلا من استعراض مفاتنها مع بقية أخواتها - لم تتزوج بخطيبها الذي صار أبا لطفلتها. وهذا طبعاً بعد النهج الذي سارت عليه أختها كأم لطفلين من رجل ترفض الزواج منه، وعلى رغم أن ما يتابعه المشاهد متفق عليه مسبقاً بسيناريو معد كشفت عنه نجمات سابقات لمثل تلك البرامج، وعلى رغم أن وعي المتفرج إلى أن ما يدور ليس وليد الصدفة والعفوية كما قد يبدو، إلاّ أن القائمين على إخراجها لديهم من الأفكار والأساليب المغرية ما يحمل المشاهد على الانخراط معهم في تمثيلياتهم كنوع من الموافقة على الضحك عليه ولو للتسلية! غير أنها لو لم تكن برامج مدروسة لتحقق نسبة مشاهدة عالية بإغراءاتها الاستهلاكية لما وصلت إلى درجة انتقاد رئيس الولاياتالمتحدة لها تعييناً. الإشكال في أنها تعلي من شأن مَن لا شأن له، أمّا العقل والتعب والعمل والأمل فليس لها بريق في خطة بائعي الوهم والمقامرة بضربات حظ، وإلا إذا على الشهرة والمال فالفنانون والرياضيون هم أهلها، فلم لم نتابع أنجلينا جولي مثلاً، أو لاعب كرة القدم ميسي أو المضرب نادال في حياتهم اليومية عبر كاميرا تلاحقهم؟ وإلاّ كنا شهدنا دعم جولي لمنكوبي العالم، أو تغلّبها على استئصال ثدييها وتوفيقها بين أولادها وعملها وسفرها، وإن كانت هي الأخرى لم تتزوج بوالد أبنائها، ولكن تبقى النواحي الإيجابية. إذا كان لا بد من تلفزيون الواقع، أو قل كنا اكتشفنا المثابرة والتدريب الشاق للتفوق الرياضي، وأن الفنان أو الرياضي اجتهد وأبدع في عمل يتقنه فأكسبه المال والشهرة، فلم تقتصر الحكاية على مجرد وجه وجسد؟ وسؤالي: لم لا يتعاقد «تلفزيون الواقع» مع العالِم والطبيب والكاتب، ومن عرف بإضافاته وقيمته الإنسانية، فيتعرف الشباب على خلفيته ولو بدافع الفضول؟ الجواب: لأن هذه الشريحة لا تؤمن للمنتجين التجاريين نسب الربح التسويقي التي ترضي أطماعهم. ثم نلوم الشباب على تفكيره «الريعي» وإهماله أولويات التأسيس الحقيقي، ومعظم ما يقدم إليه يوحي بأن الأموال هي هدف ولغة العصر للسعادة، ولا تستدعي سهر الليالي على الكتاب والمشروع الجاد، بقدر السهر على أمور أخرى أسهل وأسرع وأمتع، فإن سمعنا بقفزة اسم أو اسمين، فذلك لا ينفي العدد المسكوت عنه ممن وقع في الفخ وخرج بحطامه وانهياره. [email protected]