لا حظوظ لأفلام الرعب في المهرجانات ولدى النقاد، غير أن هذه النوعية من الأفلام تحظى برضا الجمهور الواسع. ويقال ان أحد أسباب نجاحها الجماهيري هو أن المتلقي يعي ان ما يشاهده هو مجرد خيال، وأنه بمنأى عن هذه الأشباح المخيفة والكائنات الشريرة والأعاصير المدمرة... بمعنى أن المشاهد يحسد نفسه على الأمان الذي يتمتع به بينما شخصيات الشاشة تعيش الرعب، وينطبق هذا التفسير على أفلام كثيرة من دون أن يعني ذلك ان المشاهد أناني ويفرح لمأساة الآخرين، بل ثمة حقيقة تقول له أن ما يراه لا يعدو كونه وهماً. انطلاقاً من ذلك، وبمعزل عن المواقف السياسية، فإن عدداً من الأعمال الدرامية السورية، التي عرضت أخيراً، أعاد الى الأذهان هذه المسألة، وكانت النتيجة ان المواضيع لم تكن من نسج الخيال بل هي تحاكي واقعاً معاشاً يعرفه السوريون جيداً، فجاءت هذه الأعمال تعبيراً عن تفاصيل يومية موجعة تركت مساحات واسعة من الألم في قلوب السوريين والمتعاطفين مع محنتهم. في المسلسلات السورية مثل «الولادة من الخاصرة 3» للمخرج سيف الدين السبيعي، و»سنعود بعد قليل» للمخرج الليث حجو وغيرهما، تكررت ألوان المعاناة: المنفى، التهجير، الاعتقال، القصف، الخطف، القتل... وغيرها من المفردات التي يحفل بها الواقع اليومي السوري، بل ان بعض النقاد أشار الى أن ما ظهر لم يكن سوى غيض من فيض المأساة السورية. للمرة الأولى، ربما، تقتفي الدراما أثر التفاصيل اليومية، وتغوص في حرارة الواقع الملتهب، لتنقل قصصاً نسمعها ممن عاشوا التجربة، ثم نراها مشاهد مجسدة على الشاشة. دراما الشاشة تزامنت مع دراما الحياة، وبذلك حرم السوري من أن يعلل النفس بأن ما يراه مجرد تمثيل. كانت دراما متطابقة مع خلجات روحه، رأى فيها أهله وجيرانه وأصدقاءه في قلب المأساة الدرامية. لكن هذه التراجيديا ما هي، ويا للخسارة، سوى لوحة صغيرة من خريطة الألم الذي يلف تضاريس الوطن ومدنه وقراه حيث لا تنتهي المأساة مع نهاية الحلقة بل هي عرض متواصل على مرأى الضمير العالمي. أم تفجع بابنها، وأب ينتظر عودة ابنه المعتقل، وفتاة هاربة تبيع الورد في شوارع بيروت، وأسر تقاسي جحيم المخيمات، ومدن مهدمة، خالية إلا من الخوف، وأطفال بلا أمل، وأرواح محطمة تبحث عن طوق نجاة... هذه القصص وغيرها وجدت طريقها الى الدراما التي كانت صادقة هذه المرة، صادقة على نحو لم تترك فيه أي مجال لترف الخيال. لقد نجحت الدراما في امتحان الصدقية وكانت بحق مرآة للواقع، ويبدو ان كاتب السيناريو لم يكبد نفسه أي عناء، فقصص الموت أكثر من أن تحصى، ولوعة الغياب والحنين والرحيل غمرت البلاد. لا يحتاج الأمر، إذاً، سوى إلى موقع مناسب للتصوير وكلمة «أكشن» ليولد كل هذا الحزن.