الثورة الإسلامية التي قامت في إيران العام 1979 وحولت البلد من نظام ملكي الى نظام جمهوري – إسلامي، دخلت على الفور في مواجهة مع الولاياتالمتحدة، عندما اقتحم "الطلبة" الاسلاميون مبنى السفارة الاميركية في طهران في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 1979، واحتجزوا اكثر من 50 ديبلوماسيا وموظفا فيها، في تحرك قالوا انه جاء احتجاجا على موافقة واشنطن على استقبال الشاه محمد رضا بهلوي المخلوع للعلاج. لكن السبب الفعلي كان على الارجح ما اعتبره "الثوريون" الايرانيون عداء اميركيا للتغيير في بلادهم منذ الانقلاب الذي دبرته "وكالة الاستخبارات المركزية" الاميركية (سي آي أي" في 1953 على حكومة محمد مصدق المنتخبة ديموقراطيا. وعندما غادر الشاه في نهاية المطاف العام 1979، خشي الإيرانيون من تكرار الأمر وإعادته مرة أخرى إلى الحكم. وكان هذا الأمر السبب المباشر الذي دفع الطلبة الإيرانيين إلى الاستيلاء على مبنى السفارة الأميركية واحتجاز 52 أميركياً. في ذلك الوقت ناشد الديبلوماسيون المحتجزون في طهران الرئيس الاميركي جيمي كارترعدم قبول استضافة الشاه، لكن القرار كان اتخذ، لتنشب من ثم أزمة كبيرة ومعقدة بين إيرانوالولاياتالمتحدة. بدأت مجموعة محدودة من الطلبة الإيرانيين بالتجمع أمام مبنى السفارة للتظاهر والتنديد بسياسة الولاياتالمتحدة ضد بلدهم، ولكن هذا العدد استمر في التزايد، وبدأت الشوارع المؤدية إلى السفارة تغص بالمتظاهرين الذين تسلق بعضهم الجدران إلى الداخل، ثم تمكن قرابة 500 طالب من احتلال السفارة واحتجاز جميع من كان بداخلها من الديبلوماسيين. وصادف ذلك اليوم ذكرى ميلاد مرشد الثورة الامام الخميني. واستخدم الطلبة أدوات لقطع الأسلاك والسلاسل الحديد على البوابة الرئيسية، ثم اقتحموا مبنى السفارة ومكاتبها، وقبضوا على موظفي السفارة الذين كانوا منشغلين بإتلاف الوثائق والمستندات السرية والمهمة التي تخص السفارة عن الأوضاع الإيرانية والمنطقة، ولم يتمكنوا من إنهاء مهمتهم، اذ نشر كثير من هذه الوثائق لاحقا. وتوافد على الموقع آلاف الطلاب، وكان الاعتقاد في البداية أن احتلال السفارة لن يتعدى بضع ساعات لكنه امتد. وفي اليوم التالي أعلن أحمد الخميني، نجل المرشد، أن الرهائن المحتجزين لن يعودوا إلى بلادهم إلا بعد أن تسلم الولاياتالمتحدة الشاه ليحاكم في إيران. وكان رد الولاياتالمتحدة على احتجاز ديبلوماسييها قوياً، واعتبرت سلامة الرهائن وإطلاق سراحهم الهدف الرئيس من جهودها المقبلة، وأعلنت وزارة الخارجية أنها لن تستجيب لمطالب الإيرانيين، وطالبت بإطلاق سراح ديبلوماسييها فورا. وكان من ضمن الخيارات المطروحة أمام الأميركيين العمل العسكري. وهدد كارتر بإن المضاعفات ستكون خطيرة إذا تعرضت سلامة الرهائن للأذى، وأمر حاملتي طائرات بالتحرك صوب المنطقة. وفي 12 تشرين الثاني (نوفمبر) أوقف الرئيس الاميركي جميع مشتريات النفط الإيراني، وكانت تبلغ 4 في المئة من واردات الولاياتالمتحدة من النفط، وسارع إلى تجميد كل الأرصدة الحكومية الإيرانية في مصارف بلاده، والتي قدرت بحوالي 12 بليون دولار. وأمر كارتر بالتخطيط لعملية عسكرية خاطفة لتحرير الرهائن المحتجزين. وأطلق على العملية اسم "مخلب النسر"، وتمت يومي 24 و25 نيسان (أبريل) 1980، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً، وقتل 8 جنود أميركيين وأصيب أربعة آخرون بعد تصادم بين الطائرتين الأميركيتين التي أوكل اليهما تنفيذ العملية، وذلك بسبب عاصفة صحراوية هبت وقتها. وأضاف فشل العملية العسكرية المزيد من مشاعر الإهانة للقوات الأميركية، أمام عدو أصبح مع مرور الأيام أحد أسباب التوتر الأميركي في التعامل مع المنطقة بأسرها، وبشكل غير تقليدي. ويروي المقربون من كارتر، أنه ظل حتى اللحظات الأخيرة من عهده يحاول أن ينهي الأزمة. وحتى أثناء أداء الرئيس الجديد وقتها رونالد ريغان اليمين، ظل يتابع المحادثات الأخيرة للإفراج عن الرهائن، أملاً في أن يكون هو من يستقبلهم أمام الطائرة التي اتفق أخيرا على أن تقلهم إلى وطنهم. لكن إيران رغبت في إهانة كارتر ولم تفرج عن الرهائن إلا بعد وقت قصير جداً من تولي ريغان منصبه. أبدت إيران رغبتها فى إنهاء الأزمة بسبب دخولها الحرب مع العراق وحاجتها الى تمويل كلفتها الباهظة، فطالبت بالإفراج عن أصولها المجمدة ورفع العقوبات التجارية عنها. وبفضل ما عرف بمحادثات الجزائر، تم الاتفاق في 19 كانون الثاني (يناير) 1981 على الإفراج عن 8 بلايين دولار من الأصول الإيرانية المجمدة، والتعهد بعدم التدخل سياسيا أو عسكرياً في شؤون إيران الداخلية من قبل الولاياتالمتحدة، في مقابل الإفراج عن الرهائن الأميركيين وعودتهم إلى بلادهم. وفي الذكرى الثلاثين للافراج عن الرهان في 2011، كرمت وزارة الخارجية الاميركية من بقي منهم على قيد الحياة. وأقيم التكريم في قاعة اكتظت بالحضور في مبنى الوزارة، وشمل غيرهم ممن طاولتهم المحنة، بمن فيهم عائلات الرهائن وديبلوماسيون كنديون وفروا المأوى لستة ديبلوماسين أميركيين ودبروا فرارهم من إيران، وجنود أميركيون قضوا نحبهم في عملية الإنقاذ العسكرية الفاشلة. وروى بروس لينغن، الذي كان أرفع ديبلوماسي أميركي في طهران في 1979، أنه كان مجتمعا صباح ذلك اليوم في مقر وزارة الخارجية الإيرانية بمسؤولين من الحكومة الانتقالية التي تولت الحكم بعد الإطاحة بالشاه. وفي نهاية الاجتماع اتصل به كبير مسؤولي الأمن في السفارة ألان غولاسينسكي ليقول له إن "شيئاً ما يحصل في الطرف الآخر من المدينة". وحاول لينغن طلب مساعدة من مسؤولي الخارجية الايرانية، لكن هؤلاء لم يكن بيدهم حيلة، وابعدوا من الوزارة بعد فترة وجيزة. وقال المسؤول السياسي في السفارة آنذاك جون ليمبرت إن احتلال السفارة "لم يبدُ خطيراً للوهلة الأولى، ولم يقصد به أن يكون خطيراً، على حد اقوال مدبريه بعد سنوات عديدة". وشبه ليمبرت الحادث باعتصام شبيه بما كان يجري في الجامعات الأميركية في سبعينات القرن الماضي، وقال: "بعضنا كان يذكر تلك الأيام، فقد كنا ندهم مكتب مدير الجامعة ونفتش ملفاته وندخن سجائره ونصدر بلاغاً جريئاً ثم نخرج. وهذا ما بدا أننا كنا في صدده في طهران". وظلت العلاقة بين الولاياتالمتحدةوإيران متذبذبة بين مد وجزر منذ أزمة الرهائن، لكن تطور الأحداث وتتابعها في المنطقة أديا إلى تقارب من نوع ما بين الدولتين في عدد من الملفات وأولها الحرب العراقية - الإيرانية التي وقفت أميركا فيها الى جانب إيران. إذ تبين لاحقا، في ما عرف بفضيحة "إيران غيت"، أن الولاياتالمتحدة زودت طهران أسلحة متطورة أثناء الحرب في مقابل اطلاق سراح عدد من الأميركيين المحتجزين في لبنان، لدى ميليشات موالية لايران. وظلت العلاقات مقطوعة رسميا بين الطرفين رغم مبادرات للتقريب بينهما قامت بها دول مثل سلطنة عمان، ورغم تعاونهما المباشر وغير المباشر خلال الغزو الاميركي لافغانستان في 2001، ثم غزو العراق في 2003. اما اليوم، فتقود الولاياتالمتحدة في اطار مجموعة "5+1" حوارا مع ايران بخصوص ملفها النووي الذي ادى الى فرض عقوبات اقتصادية غربية قاسية على الجمهورية الاسلامية، واتفق الجانبان على تحقيق نتائج فيه قبل 25 تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي.