استبعد خبراء اقتصاديون ونفطيون أن تواجه المملكة «عجزاً» في موازنتها خلال العامين الحالي والمقبل، بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية، مؤكدين أن منتجي النفط الصخري «لن يصمدوا أمام هذه الأسعار لأنها تفوق كلفة الإنتاج، بخلاف حال منتجي النفط العادي»، مطالبين بتدخل منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، لإعادة الأسعار إلى منطقة «التوازن». وتنبأ هؤلاء أن تستمر الموازنة السعودية المقبلة لعام 2015 عند معدلاتها المتوقعة، وأن تضاهي موازنة العام الحالي 2014 من جهة الإنفاق العام، مع بعض «التحفظ» على بعض البنود. واتفقوا في توقعاتهم على أن الموازنة المقبلة ستتضمن فوائض «جيدة»، في مقابل قلق مما ستحمله موازنة العام 2016 من تغيير، بسبب انخفاض أسعار النفط، مع توقعات بأن ترتفع إيرادات المملكة بأكثر من 140 بليون ريال مقارنة بالعام الماضي، وتحقيق إيرادات بأكثر من تريليون ريال من بيع النفط. وقال الاقتصادي عضو مجلس الشورى سابقاً الدكتور محمد إحسان بوحليقة: «إن الموازنة السعودية التي تساوت فيها كفتا الإيرادات والمصروفات عند 855 بليون ريال، لن تقل بحسب توقعاته عن 900 بليون ريال في أسوء الأحوال، مع التحرز لبعض الإنفاق الاضطراري». وأشار بوحليقة في حديثه ل«الحياة»، إلى أن الموازنة المقبلة تحمل تغييراً في أبوابها الثلاثة الرئيسة، وقد تتضمن خفضاً في الباب الرابع المتعلق بالمشاريع، مضيفاً: «ستكون الموازنة المقبلة مشابهة لحد كبير للموازنة الحالية». وأضاف: «الخزانة العامة السعودية تنفق خلال الحقبة الراهنة إنفاقاً عالياً غير معتاد، بهدف تحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة، بما في ذلك استكمال وتحديث البنية التحتية في كل أنحاء المملكة، وهذا يتزامن مع برامج وطنية لبناء المدارس والجامعات والمستشفيات مع إطلاق عدد من المبادرات لتعزيز الاقتصاد في المناطق بما ينمي قدراتها الإنتاجية، وبالتالي يسهم في تنويع اقتصادنا الوطني». وتابع: «ومع ذلك فالإنفاق المرتفع وغير المعتاد لن يستمر إلى ما لا نهاية، بل سيأخذ مناحي أخرى، إذ إن جهود التنمية شهدت تباطؤاً وتعطلاً خلال فترة ممتدة، خصوصاً في النصف الثاني من الثمانينات والتسعينات، وقد انتهجت الحكومة باكراً نهجاً، يمكن تسميته تعويضياً للتسريع في تحسين مستوى البنية التحتية لتوسيع الطاقة الاستيعابية للاقتصاد من جهة، والارتقاء بمستوى الخدمات الاجتماعية والشخصية بما في ذلك المدارس المستأجرة والمراكز الصحية غير اللائقة والمستشفيات المتهالكة». وأكد أن التحدي الآن هو تنفيذ المشاريع التنموية التي حددت لها مخصصات على مدى أعوام الخطة الخمسية التاسعة، واستكمال البرنامج التنموي التطويري الطموح». واستبعد بوحليقة أن تعاني الخزانة عجزاً يمنعها من إكمال البرنامج التنموي والاقتصادي، حتى في حال تدني السعر لحدود 60 دولاراً للبرميل، والذي يمكن اعتباره خطاً أحمر، حتى لا تضطر الخزانة للجوء للاحتياطات، مضيفاً: «سعر النفط ليس هو مصدر القلق، فالأمر الذي يستوجب استبسالاً هو الدفاع عن حصة البلاد من إنتاج النفط، إذ إن معظم الدول الأعضاء في «أوبك» أكثر اندفاعاً وحاجة للدفاع عن الأسعار. وأكد أن استمرار الإنفاق على المشاريع العامة سيستمر كنهج عام لتحقيق التنمية المتوازنة، على رغم التأثير المتوقع بانخفاض أسعار النفط. ولفت بوحليقة إلى توقعات صندوق النقد الدولي، التي أشارت إلى أن المملكة ستواجه عجزاً في موازنتها 2015، وتم بناء هذه التوقعات على أن أسعار النفط ستستمر في النزول»، معتبراً هذا افتراض «فيه تعسف». وعزا ذلك إلى وجود «1.5 مليون برميل فائض يومياً في السوق، إضافة إلى أن بعض المنتجين لن يتمكنوا من الإنتاج وسط هذه الأسعار، وسيخرجون من السوق، وفي حال خروجهم ستقل الكميات وسيعاود السعر الارتفاع، وسيحدث توازن في العرض والطلب مجدداً». وأكد أن «منتجي النفط الصخري لن يستطيعوا الصمود أمام هذه الأسعار، وفي حال انخفض سعر البرميل الواحد عن 75 دولاراً، سيضطر الكثير منهم للخروج، لأن كلفة إنتاج النفط الصخري تراوح بين 40 و140 دولاراً، فيما يراوح سعر النفط العادي حالياً بين 75 و80 دولاراً. وفي حال نزوله عن هذا السعر، فلن يستطيعوا الصمود، إذ سيعتبر فوق كلفة إنتاجه. بينما منتجو النفط التقليدي يستطيعون الصمود مع هذه الأسعار». وتوقع بوحليقة أن تكون أسعار النفط في 2015 «متوازنة»، ولن تواجه المملكة «عجزاً»، لأن «الأسعار مرشحة للتوازن والارتفاع، إضافة إلى أن مؤشرات الاقتصاد في العالم العربي – بحسب صندوق النقد الدولي – لن تكون صعبة، وسيكون هناك نمو إيجابي في الكميات المستهلكة من النفط، وفي حال استمرار الانخفاض، فيجب على منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك»، أخذ زمام المبادرة لإعادة التوازن في السوق»، مضيفاً إنه: «لم يتضح بعد موقفها، وبخاصة قبيل انعقاد اجتماعها خلال تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل». ولم يستبعد أن تلجأ «بعض الدول إلى خفض الأسعار، للمدافعة عن حصتها في السوق للحيلولة من دون خسارة زبائنها، وربما تتخذ هذه الاستراتيجية في تعاملاتها، وبخاصة أن الانخفاض لن يستمر مدة طويلة، ومنتجو النفط في العالم بدؤوا في التزايد». وألمح إلى أنه في حال استمرار انخفاض الأسعار لفترة طويلة ربما تواجه المملكة «مشكلة»، لافتاً إلى أنها «متحفظة جداً في تقدير أسعار النفط في موازنتها». بيد أن بوحليقة أكد أن لدى المملكة «احتياطات ضخمة في الخارج. ولن تضطر إلى استخدامها حالياً، وبخاصة أننا في نهاية العام المالية. وربما تلجأ إليها في حال كان لها إنفاق اضطراري، لكن لا أحد يعلم عنه، وهذا أمر آخر»، مشدداً على أنه في الوضع الحالي فإنه يستبعد أن يكون هناك «عجز». وأعاد التأكيد على أن تصل «أوبك» إلى تحقيق معجزة الالتفاف حول استراتيجية واحدة، وهي الدفاع عن حصتها من الإنتاج من خلال أخذ زمام المبادرة والسعي للإفادة من تجربتها من ارتفاع الأسعار فوق ال100 دولار بسرعة صاروخية خلال فترة وجيزة، بأن تسعى لاستهداف سعر في حدود 75 دولاراً، والسبب أن «أوبك» إن لم تستعد المبادرة لضبط السوق، فعليها أن تحلّ نفسها، باعتبار أنها ربما استنفدت مهمتها التي أوجدت من أجلها قبل أيلول (سبتمبر) 1960. وبحسب دراسات بحثية نشرت أخيراً، يتوقع أن تبلغ الإيرادات النفطية للسعودية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام نحو 780 بليون ريال، فيما ستبلغ الإيرادات النفطية للربع الأخير من العام نحو 221.5 بليون ريال.