الاستعداد لبدء العام الدراسي وسط مخاوف من أنفلونزا الطيور. بدء العام الدراسي وسط مخاوف من أنفلونزا الخنازير. بدء العام الدراسي وسط مخاوف من أعمال البلطجة بعد ثورة يناير. بدء العام الدراسي وسط مخاوف من الخلل الأمني بعد عام من ثورة يناير. الاستعداد لبدء العام الدراسي وسط مخاوف من عدم قدرة الطلاب على تحمل بعضهم بعضاً داخل الحرم الجامعي بعد عامين من ثورة يناير وبعد ثلاثة أشهر من «الانقلاب الشعبي على رئيس طائفي» وفق البعض أو «الانقلاب العسكري على الشرعية» وفق البعض الآخر. كم مرة شابت استعدادات العام الدارسي الجديد مخاوف صحية من ظهور فيروس قاتل أو انتشار مرض معد، وأخرى أمنية جراء أعمال بلطجة هنا أو انفلات أمني هناك ناجمة عن ظروف استثنائية أعقبت ثورة يناير وظنت الغالبية إنها إلى زوال. أما مخاوف الاستعداد للعام الدراسي المقبل فهي فريدة من نوعها في مصر، لأنها مخاوف من انعكاسات الاستقطاب الحاد داخل المجتمع المصري على مجريات الأمور في الحرم الجامعي حيث تضم قاعة درس واحدة كل التيارات وكل الفصائل. وهي مخاوف أيضاً من أن حدة الاستقطاب تعدت مرحلة الشحن النفسي والتهييج السياسي ودخلت مرحلة العنف والدفاع عن الرأي بالشومة والتأكيد على سلامة الموقف بالأسلحة النارية. نيران الاستقطاب التي خلفتها جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من الأحزاب والجماعات الدينية التي كانت حاكمة في مصر ستظل مشتعلة لبعض الوقت. فهي نيران ليست وليدة اشتعال الأمس أو تأجيج أول من أمس، بل كانت في مرحلة هدوء تحت وطأة الخوف من التعامل الأمني، والإذعان للوائح الجامعات، والالتزام الإجباري بقوانين التعليم الجامعي، والتي كانت حتى الأمس القريب تمنع ممارسة العمل السياسي في الجامعات. ومن سخرية القدر أن المعاناة من القمع والمنع وحدت صفوف طلاب الجامعات المصرية على مدى عقود على اختلاف فصائلهم وانتماءاتهم وقناعاتهم بين إسلاميين وشيوعيين واشتراكيين ثوريين ووفديين ويساريين وناصريين وغيرهم. ووقف الجميع سواء تحت راية المنع، باستثناء أولئك المحظوظين من المنتمين للحزب الوطني الحاكم المنحل وكياناته المختلفة. واليوم وبعد ما يزيد على عامين من ثورة يناير، بدأ العد التنازلي يدق إيذاناً باستهلال عام دراسي جديد كان يفترض أن يحظي فيه الطلاب بقدر أعلى وأكبر من الحرية والاستقلالية والقدرة على الحوار والتمتع بالنقاش والاختلاف. لكن الوضع السياسي الملتبس والذي قسم مصر وشعبها وشبابها إلى «إخوان» و»كارهي إخوان» ينذر بخطورة شديدة مع حشر تلك الأطياف في مكان واحد مغلق، بعد أشهر من الفرقة بين ميادين «الشرعية والشريعة» و»مصر لكل المصريين». وعلى رغم تأكيد وزير التعليم العالي وأحد رموز ثورة يناير الدكتور حسام عيسى على أن أي حديث عن منع الطلاب من ممارسة العمل السياسي هو «كلام فارغ»، وأنه سيلغي أية قرارات من شأنها التأثير سلباً في استقلال الجامعات، إلا أن ملامح الوضع في داخل الجامعات في ظل الشحن الرهيب لم تتضح بعد. فالغالبية العظمى من أعضاء الائتلافات والكيانات السياسية المناهضة للإخوان هم من الشباب، والغالبية العظمى من القائمين على شؤون اعتصامات ومسيرات «الشرعية والشريعة» هم من شباب الجماعة، والغالبية العظمى من أعضاء «تمرد» هم من الشباب، وهو ما يعني أن أطراف الخلاف الراهن مضطرون للتواجد تحت سقف واحد وفي أحضان حرم جامعي واحد بعد أسابيع قليلة، وهو الحرم نفسه الذي شهد حالات احتكاك عديدة أواخر العام الدراسي السابق بين أعضاء حركة «تمرد» عندما كانوا يجمعون التواقيع لسحب الثقة من الرئيس المخلوع محمد مرسي، وزملائهم من أعضاء الجماعة وحلفائها من التيارات الإسلامية الأخرى، فما بالك بما يمكن أن يحدث بعد نجاح «تمرد» في سحب الثقة وهز عرش الجماعة برمتها؟ هذا العرش الذي تزعزع من مكانه أصاب الجماعة وأتباعها بغضب شديد تشتد حدته بين الفئات الأصغر سناً والأكثر عرضة لفرض رأيها بالقوة الجسدية. من جهة أخرى، فإن شباب التيارات المدنية الحالمة بدولة حديثة لا دينية ولا عسكرية يشعرون بأن مسؤولية الحفاظ على الثورة التي سرقت منهم بعد فعاليات الثورة على مدى 18 يوماً ثم ردت لهم في 30 حزيران (يونيو) الماضي ملقاة على عواتقهم، وهو ما ينذر بالكثير من الخلافات بين الطرفين. وإذا كانت الميادين قاصرة على الفصل بين الفصيلين، فمن هو مرابط في «رابعة» لن تجده متردداً إلى «التحرير»، ومن يؤمن بأهداف «النهضة» لن تجده زائراً ل «الاتحادية»، إلا بغرض الهجوم أو الاحتكاك المقصود. لكن لا ميادين في الجامعة تفصل بين طلاب العلم، فقط قاعات درس وأماكن التقاء. هناك مطالب عدة بتأهيل الطلاب لما هم مقبلون عليه في الجامعة، وذلك بحكم أن هذا هو العام الدراسي الأول الذي يبدأ فعالياته في ظل تفسخ المجتمع إلى أنصار الرئيس ومناهضي المعزول. ورغم مقترحات تقديم برامج تلفزيونية تتناول فكرة قبول الآخر والتعايش السلمي مع الجميع حتى وإن كانوا لا يحبون بعضهم بعضاً، وحملات توعية المواطنة وحق الجميع في حرية التعبير في وطن آمن، وغيرها من المقترحات. لكن يظل المقترح الأفضل والأكثر واقعية هو أن يلعب الكبار، من رموز الجماعة ومشايخ حلفائها وقيادات التيارات السياسية المختلفة والمسؤولون السياسيون وغيرهم مما يتحكمون في مفاتيح المشهد السياسي الراهن، دور القدوة في قبول الآخر دون تكفير أو تسفيه أو تكدير!