لم تكتف رانيا رفعت بحبس أبطالها الأسطوريين في أحلامها ونسج قصص كريستالية بأحداث خيالية وتفاصيل مبعثرة، وإنما اخترقت حاجز الحلم والسحر والفانتازيا والصورة المتخيّلة أمور تحبس الأنفاس في ملاحقتها. لقد حوّلت أبطالها واقعاً ملموساً تصنعهم من القماش والإسفنج وترسم ملامحهم الأحلام والأقلام والألوان البراقة، وتحرّكهم بخيوط ملونة رقيقة، في عالم حقيقي يضج بالحركة والحياة ويشتعل بالمواقف والصراعات. وذلك عبر مشاهد إبداعية تبتكرها الفنانة المصرية لتخترق بها حاجز الواقع، متفاعلة مع معضلاته وهمومه بجرأة وشجاعة لافتة ممزوجة بخفة دم وسخرية لاذعة. ترسم رفعت الابتسامة على شفاه الصغير وتومض طاقة فكر في داخل عقل الكبير وتجبره على إيجاد مساحة للتفكير والتفاعل وكسر حاجز المحرّمات في مسرح «البرغولا للعرائس». تعمل رانيا رفعت محامية متخصصة في القضايا الجنائية، إلا أن هوسها بالعرائس أو الدمى التي تملك العشرات منها في منزلها حيث لكل لعبة بيتها، دفعها الى تأسيس مسرح «البرجولا للعرائس». وتقول: «أثناء «ثورة 25 يناير» شجعني أصدقائي من الثوار في ميدان التحرير على إخراج عمل ممسرح مختلف في طرح القضايا، لكوني أكتب وأُخرج وأُمثل وأصنع الدمى. خصوصاً أن غالبية مسارح العرائس في الدول العربية بلا قضية وكل ما تقدمه بعض القصص الفولكلورية البالية». من ميدان التحرير خرجت أولى مسرحياتها، حيث ساعدها الثوار والمعتصمون في العمل من أوله إلى آخره، لتقدم عروضاً مسلية ظاهرياً ولكنها في عمقها سياسية فلسفية تنقل الواقع المصري. ومن يومها قدمت رفعت العديد من العروض التي طافت بها المحافظات المصرية بمدنها القديمة وأحيائها الشعبية وشوارعها التاريخية. وقد أتت العروض توعوية مواكبة للحدث السياسي سواء الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. وتقول رانيا: «قدمنا إسقاطات سياسية مباشرة وغير مباشرة من الحياة في قالب كوميدي ساخر. حاربنا في عروضنا الجهل وكثير من القيم السلبية في المجتمع، وقد لاقت هذه العروض صدى مدهش بين الشباب والصغار». وترى المحامية - الفنانة التي قدمت أخيراً عرضاً سياسياً بامتياز بعنوان «فتح عينك تأكل ملبن»، في منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية، أن عرائس الخيط أو الماريونيت تختلف عن البشر في أنها تملك المرونة والمقدرة على إيجاد مساحات شاسعة من التعايش المحمود. وتقول: «هي تتبادل ولا تتعارض، فالتعارض عواقبه وخيمة سواء بمجتمع البشر أو بمجتمع العرائس. كما أن العرائس لديها الجرأة لتعرّي المجتمع وتكشف درجات الضعف والخنوع الكامنة فيما المجتمع بائس متلوّن يتشارك في نفاق متجذّر لا يعني تعانق خيوطه سوى مزيدٍ من العقد والتعقيد». تقّدم صاحبة مسرح «البرغولا للعرائس» عروضها مجاناً في الإسكندرية والمناطق، على رغم التكاليف الباهظة التي تتكبدها. فكل عرض يكلّف 20 ألف جنيه مصري، وهي لا تلقى أي دعم مادي من أي جهة حكومية أو غير حكومية. أما أغرب المواقف التي واجهت الفنانة وفريقها في عروضها في الأحياء الشعبية، تعرضهم للضرب المبرح على أيدي سلفيين، عندما انتقدوا الإخوان في أحد العروض. كما ضُربوا في حيّ آخر بالحجارة بعد معارضة أحد المرشحين الرئاسيين من الفلول. يتكوّن فريق مسرح البرغولا من 15 شخصاً غير أكاديميين، اهتمّت رانيا رفعت بتعليمهم فنون العرائس، ومن أهم العروض التي قدمها «البنت بيتا» «بلد أبيض- أسود». وتسعى «أم العرائس» إلى تقديم عروض تختلف مواضيعها عن التي قدمتها في السابق، لتتطرق إلى الدين والقانون، إذ بدأت بتحضير «سلسلة اسكتشات قانونية مبسطة» من خلال مسرح جديد.