حجرة صغيرة تملأ جدرانها كتاباتٌ وحروف عربية، وستار شفاف في الواجهة يتحرك خلفه ظل لشاب. إيماءات حركية متشنجة يأتيها الظل فتستمر بضع دقائق. يتوقف بعدها ليرسم أمامنا علامة استفهام كبيرة باللون الأحمر. واقع عربي يسكنه المخاض لا نعرف ما يأتي به المستقبل، ولا نستطيع التعرف على ملامحه، كل ما نعرفه وما ندركه جميعاً هو ذلك الألم الدفين الذي يعتصرنا ويأكل أعمارنا . إنه أحد أعمال الأداء الحركي أو ما يسمى «البيرفورمانس» المشاركة في صالون الشباب الذي افتتح أخيراً في أروقه قصر الفنون في ساحة دار الأوبرا المصرية وتستمر فعالياته حتى منتصف الشهر الجاري . ويعد صالون الشباب أحد أبرز الفعاليات الفنية التي تقام في القاهرة، بل الحدث السنوي الأبرز الذي مثّل منذ انطلاقته الأولى عام 1989 عرساً لإبداعات شبان فنانين مصريين، كونه متنفساً حراً لإبداعاتهم وتجاربهم، وآلية متجددة استطاعت خلال السنوات الماضية أن تخرج للساحة الفنية العشرات من الفنانين الجادين. وتضم عروض الصالون كما تعود متابعوه أعمالا فنية، تتسم غالبيتها بالجرأة والتنوع في مجالات عدة كالتصوير والرسم والفيديو والكومبيوتر والغرافيك والأداء الحركي. واتسمت الأعمال المعروضة بالتفاوت في القدرة على التوفيق والمواءمة بين المفهوم والاستخدام الأمثل للخامة أو التقنية المناسبة، فبينما يطغى المفهوم على تكنيك العمل في بعض الأعمال يتفوق التكنيك على المفهوم في البعض الآخر. غير أن هناك عدداً من الأعمال استطاع أصحابها إيجاد هذه المواءمة والتوفيق بين كلا الجانبين كعمل الأداء الحركي الذي أشير إليه في البداية للفنان إبراهيم خطاب. الفنانة شيماء صبحي (مواليد 1984) استطاعت هي الأخرى التوفيق بمهارة بين كلا الجانبين من خلال عملها الذي تشارك به في مجال التصوير والمكون من أربع لوحات طولية كبيرة، تتعرض خلالها الفنانة لهذه الحالة من التناقض المدهش الذي تتسم به مجتمعاتنا في نواحٍ مختلفة. اختارت صبحي التركيز خلال العمل على مفهوم الشرف والعفة كنموذج ينطوي على شيء من هذا التناقض وعدم الوضوح في المعنى والمفهوم داخل مجتمعاتنا الشرقية عموماً، حيث بات الاهتمام فيها بالمظهر الخارجي أهم بكثير من الاهتمام بترسيخ القيم والأخلاقيات في النفوس. وفي أجواء ليست بعيدة من هذه المتناقضات تعرض الفنانة راجية مصطفى فيديو قدمته تحت عنوان «العقل الباطن». يمثل العمل صوراً منفصلة لمشاهد حية من الشارع المصري التقطت غالبيتها داخل عدد من الأحياء الشعبية المكتظة بالسكان. ويجمع بين هذه اللقطات قدرة الناس كما تقول على التعايش والتكيف وسط ظروف في منتهى الصعوبة. اللقطات تمثل مشاهد لوسائل مواصلات وتحرشاً وزحاماً وشجاراً وقفزاً من فوق الحواجز. ويستغرق عرض الفيديو ثلاث دقائق فقط، لكنها استطاعت بلا شك أن تترك أثراً لدى المشاهد. فكرة التحرر من القيود والانتقاد اللاذع للمجتمع سيطرت أيضاً على عدد من الأعمال الأخرى كعمل التصوير لباسم سمير، وعرائس الماريونيت وهو تجهيز في الفراغ للفنانة ابتهال مصطفى، والفوتوغرافيا لهالة أبو شادي والتصوير لمحمد عطية، كل حسب طريقته ومفهومه لهذا التحرر.