«كل عام وأنتم بخير»، ونوجهها خصوصاً لمن يعيش في واقع مأزوم، فهناك من سرق فرحة الكثير من الناس في هذا العيد كما سرقوها طوال شهر رمضان، وكأننا نشعر أن الكثير من المسائل تحرض الكآبة على الحضور حتى في المناسبات العامة التي نعتبرها قليلة في العام لدى المسلمين، فأخذت تخيّم على أحاسيس الناس ومشاعرهم، وهذا في ظل سوء الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي ظل الأزمات التي يقع فيها عالمنا العربي والإسلامي، وقد شهدت الحياة العامة في بعض الدول العربية حرماناً من الشعور الحقيقي في هذه المناسبة، والمهتم بمتابعة الأخبار يلاحظ كيف تراجعت واضطربت أوضاع بعض الناس، وانعدم الأمن وعمّ الفقر، ما جعلهم بائسين منغلقين على أنفسهم. وفي حياتنا الاجتماعية نشعر بالسوء حين لا تكون مثل هذه المناسبة الثمينة فرصة للتسامح ومراجعة الصفحات، فالحياة في حقيقتها مليئة بالفرص، والإيجابية أفضل من الانهماك في المشكلات ونسيان قيم الحياة الجميلة، لأنه من الصعب أيضاً أن نتحول إلى أفراد مأزومين في طريقة تفكيرنا وحياتنا العامة نتاج الظروف، غير أن ترفعنا عن الأخطاء لا يكون إلا بالاعتراف بها وردها إلى أسبابها الحقيقية وتقديم الاعتذارات عنها، وهذا سبيل للتعايش الإيجابي وعودة العلاقات الاجتماعية إلى وضعها المفترض، فالإنسان بطبيعته يعيش حالة من الضعف المستمر، وهو في حاجة إلى التصحيح بشكل دائم. وعلى وجه آخر فمن المؤلم ألا يجد العيد قيمته في إظهار الفرحة والتآلف الأسري، فقد يقتصر البعض على «رسالة نصية» لتقديم المعايدات، حين أفسدت وسائل الاتصال حياتنا الاجتماعية، فمنظومة حياتنا في واقعها أسهمت في جعل العيد حالة كئيبة خالية من مباهج الحياة، ولو نظرنا بعيداً لوجدنا مجتمعات جعلت الفرحة والسعادة هاجسها الأكبر، فهم مبدعون على الغالب في استغلال اللحظات السعيدة وتصيّد فرصها، والأجمل من هذا أن تنمي هذه اللحظات حس المشاركة والشكل التفاعلي للحياة. إن الإنسان بمفرده سيكون عاجزاً عن توفير أقل حاجاته العاطفية والنفسية، فآلية عمل الانفعالات وتأثيرها في الإنسان تشير إلى أن التفوق في المجال الاجتماعي مرتبط تماماً بالمجال الانفعالي لدى الفرد، غير أن قدرة الإنسان على التعامل الذكي مع انفعالاته يعطيه بالضرورة نجاحاً في بناء علاقاته الاجتماعية بشكل جيد، وتنمية قدرته على التكيف والتطور، وكذلك غياب المشاعر عند الإنسان في هذا العصر يجعله غير مدرك لضرورة موقفه في مجتمعه الذي يرتبط به وينتمي إليه. وقد نقول إن الكثير من الظروف الصعبة هددت الجانب الإنساني، لكننا في المقابل لا نريد أن تكون حياتنا مجردة من الدلالات التي لا تشعرنا بضرورة الإدراك للشعور اللازم في مواقفنا الاجتماعية، فإن فرحة العيد ستكون أجمل بالشعور بالسعادة، لأنها لن توجد إذا لم نجدها في دواخلنا، وستكون هذه الفرحة أكمل بالتشارك والإحساس بالغير والاجتماع مع الأسرة والجيران والأقارب في أجواء مفعمة بالحب. [email protected] @alshehri_maha