في بعض ثقافات الشعوب يكون الإعداد جماعياً للمناسبات الدينية، خصوصاً لدى النصارى في أعياد الكريسماس، وهو توقيت مقدس لديهم، يقدمون فيه الشوكولاته والهدايا البسيطة أثناء اللحظات الجميلة التي يتعاطونها ويجتمع الناس فيها على التآلف وقضاء الأوقات السعيدة والممتعة، وفي المقابل لدينا وفي كل مطلع رمضان، وهو توقيت مقدس لدينا كمسلمين أيضاً، يتدافع الناس إلى المتاجر بمعدل مرتفع يفوق معدل الشهور الأخرى، وذلك لشراء أنواع المتطلبات لصناعة المأكولات الرمضانية بأصنافها، ويتضمن هذا الإسراف في الشراء وفي طهي الموائد معاً التي غالباً ما يكون مصيرها سلال النفايات، فما يرتبط به المفهوم العام لهذه المناسبة يتزامن مع الرغبة في توفير أكبر قدر مما يسد به الناس حاجاتهم تجاه فهمهم الخاطئ للصيام، أي أن هناك خللاً كبيراً وواضحاً حول ثقافة الاستهلاك لدى الأسرة السعودية، غير أن كثيراً من الصائمين يمارسون سلوكيات اجتماعية وغذائية خاطئة توحي بأن الفرد يستهلك غذاءً أكثر في رمضان عنه في الشهور الأخرى بسبب الصيام. وعلى وجه آخر يستغل البعض من التجار هذا الإقبال فترتفع أسعار السلع الغذائية قبل شهر رمضان وفي خلال أيامه، وفي خبر نشرته «الحياة» الأسبوع الماضي أوضحت أن هناك استغلالاً لهذه المناسبة الدينية، إذ قدّر عدد من المتعاملين في الأسواق المحلية ارتفاع بعض السلع عن العام الماضي إلى 15 في المئة. إذا كان المفهوم لدى الناس بأن الصيام يعني الحرمان والجوع مقابل ما يتوجب عليهم تعويضه بالأكل، فإن هذا ما يدفعهم في ثقافتهم الاستهلاكية لتوفير أكبر قدر من المشتريات التي يسدون بها حاجاتهم بعد الإفطار، وهذا يعني أن شعيرة الصيام ليست مفهومة لديهم بالقدر الكافي، فالفرد يقضي يومه جائعاً ثم يُشبع جوعه بطريقة غير صحية يفتقد فيها إلى ما يجب أن يكون عليه التوازن الغذائي الذي يتحقق مع فوائد الصوم وأهدافه، غير أن الصيام في رمضان عبارة عن دروس وفوائد لخفض الاستهلاك الذاتي، وللشعور بالغير والإحساس بالفقراء ومساعدة المحتاجين. لا شك في أن غلاء المعيشة من أهم عوامل الأزمات التي ترهق المواطن، والتي تقع في مقابل عدم كفاية الدخل لدى بعض الأسر، وهذا يصعب تحقيق الكفاية لحاجات الأسرة بشكل عام، ولذلك نحن بحاجة ماسة إلى بناء ثقافة الأسر تجاه تحديد رغباتهم مقابل الشراء المفرط الذي يتزامن مع رمضان والأعياد، وكأسلوب حياة بشكل عام، وهذا ما يساعد الأسرة في حسن الإدارة المالية والاقتصادية، غير أن إحدى السبل المهمة لتغيير هذه الثقافة الخطرة تقع على عاتق الإعلام ووسائل الاتصال، التي يقوم بعضها بدعم هذه الثقافة من خلال الإعلانات وغيرها، إضافة إلى أن الاستهلاك العقلاني مسؤولية المؤسسات الرسمية والخاصة والتربية الأسرية، وبهذا فعلينا أن نفعل سياسات معينة لها أهداف حقيقية في ترشيد الاستهلاك، لأنها تنعكس على الجوانب الاقتصادية في معيشة الناس على المستوى الفردي، ولأن النجاح في هذا الترشيد سيكون له أيضاً انعكاسات اقتصادية واجتماعية كبيرة. [email protected] alshehri_maha@