وحّد رمضان هذا العام العراقيين للمرة الاولى منذ سنوات طويلة، بعدما أعلن الوقفان السني والشيعي معاً أول ايام رمضان، ولو ان إعلان الشيعة جاء متأخراً بعض الشيء إثر الفتوى التي اصدرها مكتب المرجع الاعلى السيد علي السيستاني بثبوت الرؤيا الشرعية. لكن الشهر الذي يحمل تقاليد خاصة لدى العراقيين، وان اختلفت باختلاف المدن، أثار حزناً عميقاً هذا العام لتزامنه مع «أحداث الأربعاء» الأليمة. وعلى رغم ذلك، انتشرت محال الحلوى «الزلابية والبقلاوة» الشهيرة وهي من الحلويات المفضلة لدى العراقيين في رمضان في كل الشوارع الرئيسة للعاصمة، الى جانب محال العصائر التي تفتح ابوابها قبل موعد الافطار بساعتين وتستمر حتى ساعات متأخرة من الليل لتلبية طلبات العائلات. أما أفران الخبز التي اعتادت ان تفتح ابوابها في وقت مبكر من صباح كل يوم، فغيّرت هي الاخرى مواعيدها وبدأت تستقبل الاهالي قبل موعد الافطار بساعة واحدة. وتنتشر طوابير الرجال والنساء والاطفال امام المخابز والافران حتى بدء موعد الافطار للحصول على الخبز الساخن الذي يحمل نكهة بغدادية مميزة. وتخصص العائلات العراقية موازنة خاصة تكفي في العادة مصاريف ثلاثة او أربعة أشهر. وتبدو تقاليد رمضان في شمال وجنوب العراق أكثر وضوحاً منها في بغداد، كونها تعيش نوعاً من الاستقرار الأمني قياساً بالعاصمة. ففي البصرة، يفضل الاهالي نوعاً من الحلوى يطلقون عليه «الرملية» الى جانب بقية الحلويات، كما يزين البصراويون مائدة افطارهم بسمك السبور المشوي على طريقتهم الخاصة، الى جانب باقي محتويات المائدة التي تتشابه في انحاء العراق، مثل السلطة واللبن والعصائر والمشروبات الغازية التي تعكس هي الاخرى مائدة مشتركة للعراقيين. نديم يتهيأ للسفر الى اقليم كردستان لقضاء شهر رمضان، ويقول: «في اليومين الماضيين عانينا عطشاً شديداً بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وفكرت في قضاء بقية أيام الشهر الكريم في شمال العراق. كما توجهت عائلة شقيقي الى سورية لتتمكن من صيام الايام الاولى التي يعاني فيها الصائمون في العراق من عطش شديد قد تدفع بعضهم إلى الإفطار». ويبقى المسحراتي العامل المشترك بين الليالي الرمضانية في العراق، سواء كانت في الوسط او الشمال او الجنوب. فالمسحراتية الذين يمتد تاريخ مهنتهم الى قرون، واستغنت عنهم الكثير من الدول بتقنيات حديثة، مازالوا يمثلون السمة المميزة لليالي رمضان في العراق. ولم تفلح المنبهات الحديثة في القضاء عليهم، إذ يبقى صوتهم الرنان واصوات طبولهم اقوى من جميع الاختراعات الحديثة.