من النظرة الأولى إلى اللفظة المرعبة مباشرة سيذهب العقل منطقياً صوب الإناث، ممن تجاوزهن قطار الزواج. لكن للأسف تجاوزت لفظة «العوانس» في مفهومها هذا التوصيف الضيق والمحصور في ظاهرة العوانس المتعارف عليها، لتتعداها إلى الكثير من المسميات في هذا الوطن. من اللافت في مجتمعنا الحالي حال العنوسة التي أصابت الكثير من مفاصل حياتنا. الخريجون مثل صارخ لهذه العنوسة التي لا تجد لها علاجاً أو حتى محاولات للعلاج، ما يدفعنا الى التساؤل عن الأثر النفسي والاجتماعي لترك أبنائنا من حملة الشهادات تأكلهم نار البطالة، من دون الالتفات الى الخسارة التي تخلفها هذه الطاقة البشرية المهدورة، في غياب بدائل لاستيعاب الخريجين. وليس المقصود أو المطلوب استيعاب الخريجين في المؤسسات الحكومية، لكن أيضاً من الممكن إيجاد فرص عمل لهم بوسائل كثيرة، منها تنشيط المشروعات الصغيرة واستثمار العلاقة مع دول الجوار لتصدير قوى بشرية تطور مهنياً وتأتي بمردود اقتصادي. كذلك يدفعنا هذا الوضع الى التساؤل عن قرار الرئيس محمود عباس الذي أوقف فيه استيعاب أبناء المحافظات الجنوبية (قطاع غزة) في المؤسسات الرسمية، وهل بعد أكثر من ست سنوات ترى مؤسسة الرئاسة أن هذا القرار هو قرار نافع ومجد؟ ولماذا فقط يتم وقف استيعاب أبناء غزة؟ وما هو مصير الخريجين والكفاءات من أبناء غزة؟ ومتى سيتم استيعابهم بعد أن خرجوا على المعاش قبل أن يندمجوا في المؤسسات وسوق العمل المحرومين منه؟ وبحساب بسيط فمنذ صدور القرار وحتى الآن أصبح الخريج عمره فوق 30 سنة! والأمر ذاته ينطبق على الموظفين الذين جمدت حقوقهم التي منحت لهم بقوة القانون وحرموا منها بقرار ليس لشيء إلا لأنهم التزموا بما صدر لهم من توجيهات، فهؤلاء أيضاً عوانس، فهل من العدل تجميد حقوقهم في حين أن نظراءهم من المحافظات الأخرى يتدرجون في مواقعهم؟ وإذا افترضنا أننا وطن واحد وبإمكان المواطن التنقل بين المحافظات فأين سيكون موقع هذا الموظف المحروم والمجمدة حقوقه بين زملائه الذين التحقوا في العمل بعده وسيجدهم قد سبقوه في الدرجات، أليسوا عوانس؟ أبناء تفريغات 2005 ممن عينوا بقرار من الرئيس ويتم الآن حرمانهم من كل حقوقهم الوظيفية ويتم التعامل معهم كموظفين غير شرعيين ويمنحون رواتب على بند المكافأة منذ عام 2007 وحتى الآن، فهل لا ينطبق عليهم لفظ عوانس في هذا الوطن؟ الشاب الذي لا يستطيع أن يجد عملاً وبيتاً، ولا يقدر على مهر العروس وتأثيث المنزل ولا يستطيع الزواج بسبب وضعه الاقتصادي المتردي، أليس هو من العوانس خريجي الجامعات والمعلقة شهاداتهم نتيجة عدم قدرتهم على دفع الرسوم للحصول على شهادتهم، أليس هؤلاء عوانس؟ المقطوعة رواتبهم منذ سنوات بناء على تقارير كيدية، وحتى الآن لم يتم إنصافهم وإرجاع رواتبهم، أليسوا عوانس؟ الموظفون ممن أوقفت رواتبهم على خلفية قضية التوكيلات ولم يتقاضوا رواتبهم رغم كل ما يعانونه ورغم كل المناشدات التي رفعوها. حملة الشهادات العليا، الذين لا يجدون لهم فرصة في هذا الوطن، أليسوا عوانس؟ الشباب المتكدس والعالق في سلسلة التدرج للقيادة، أليسوا عوانس؟ الذين عرفوا بالبطالة الدائمة أليسوا عوانس؟ غزة بأكملها، من مزارعين وعمال، أصبحت عانساً وهي بانتظار الإنصاف.