يبدو أن الأمور في مصر سوف تشهد تطورات دراماتيكية بالنسبة للوضع السياسي، بعد سقوط حكومة الرئيس المخلوع محمد مرسي، وبروز الانقسام في الشارع المصري، بين مؤيد لخلع الرئيس ويملك الغالبية ظهرت من خلال التظاهرات المؤيدة للحكومة الانتقالية وجدولة تعديلات الدستور وطرحه للاستفتاء وبعده الانتخابات التشريعية والرئاسية، لذلك قامت مظاهرتان حاشدتان تأييداً لقرار خلع الرئيس، اعترفت بهما كل الأطراف الدولية المؤيدة والمحايدة، بينما قامت في المقابل اعتصامات وتظاهرات حاشدة أيضاً تأييداً للرئيس المخلوع محمد مرسي، مما يؤكد للمراقبين والمحللين أن هناك انقساماً في الشارع المصري تجاه ما جرى بعد مظاهرات 30 حزيران (يونيو) أجبر المؤسسة العسكرية على التدخل لحسم الموقف لصالح الأمن القومي المصري ومستقبل الدولة والمجتمع، تباينت الآراء حول هذا التدخل بين مؤيد ومعارض من القوى السياسية المصرية وكذلك القوى العربية والإقليمية والدولية. اتسم الدوران الأميركي والأوروبي بالتردد والصدمة من الأحداث في مصر، وكأنهما لم يكونا يتوقعان أن تسير الأمور بهذا الاتجاه، ولذلك رأينا الاتصالات التي يجريها المسؤولون الأميركيون والأوروبيون منذ بداية الأزمة، وتوجت بزيارة منسقة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي آشتون، ونجاحها في لقاء الرئيس المخلوع محمد مرسي، ومحاولتها التنصل من مهمتها التي جاءت من أجلها وهي التوسط لحل الأزمة عبر الإفراج عن الرئيس المخلوع وتأمين خروج آمن له، بعد أن رفضت الحكومة المصرية طلبها بقوة، ما جعل الرئيس الأميركي يرسل اثنين من أعضاء الكونغرس الأميركي لزيارة مصر بعد الصفعة التي وجهها له وزير الدفاع المصري الفريق عبدالفتاح السيسي بعدم التدخل في الشؤون المصرية الداخلية، وكل هذه التدخلات تظهر مدى القلق الغربي على الإخوان والتغاضي عن الملايين التي عبرت عن رفضها لحكمهم عبر المظاهرات المليونية وباعتراف وسائل الإعلام الغربية. علماً بأن القوى الغربية لم تكن حريصة على الديموقراطيات واختيار الشعوب، وإلا لما دعمت الانقلاب على الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز قبل أن يخرجه الشعب من الاعتقال ويعيده للحكم. تحاول الولاياتالمتحدة الأميركية دائماً التلويح بورقة ضغط المعونة الأميركية العسكرية والاقتصادية لمصر والتي تحولت بعد عام 1982 إلى منح لا ترد بواقع 2.1 بليون دولار، منها 815 مليون دولار معونة اقتصادية، و1.3 بليون دولار معونة عسكرية. وتمثل المعونات الأميركية لمصر 57 في المئة من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية، من الاتحاد الأوروبي واليابان وغيرهما من الدول، كما أن مبلغ المعونة لا يتجاوز 2 في المئة من إجمالي الدخل القومي المصري، إذ تصرف هذه المنح والمعونات على شكل تدريب وقطع غيار، ويشرف الأميركيون على مراقبة صرفها، والصرف كذلك على المشرفين الأميركيين والمدربين منها، ولذلك جزء كبير منها يعود للخزانة الأميركية، ما يجعل فائدتها لا توازي الثمن السياسي الذي تدفعه مصر لقاء هذه المعونة أو المنح، أو القبول باستراتيجية أميركا المتبعة من خلال التلويح الدائم بقطع المنحة، والمعونات الأميركية الغرض منها الضغط على مصر لتحقيق أهداف أميركية سياسية في المنطقة. لكن في موازاة الدور الأميركي الأوروبي تجاه مصر، هناك دور عربي فاعل تقوده المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج، يدعم خيار الشعب المصري ويساعد مصر في اجتياز المرحلة الصعبة جداً، ويقلص من تأثير أي ضغوط أميركية على القيادتين السياسية والعسكرية، وقد تباين هذا الدور مع الدور الأميركي الأوروبي كما كان عليه الموقف تجاه أحداث البحرين، عندما أظهرت السعودية موقفاً حازماً تجاه ما يجري في البحرين، ولذلك اتخذت المملكة العربية السعودية موقفاً حازماً بدعمها خيارات الشعب المصري، وأظهرت تأييداً سياسياً واقتصادياً واضحاً، ساندتها الإمارات والكويت، حفاظاً على استقرار مصر ومساعدتها في اجتياز المرحلة الدقيقة التي تمر بها، ولذلك كان لهذا الدعم الأثر الفاعل على مسار الأحداث في مصر، وزيارة الأمير بندر بن سلطان لروسيا كأرفع مسؤول سعودي، تعبر عن استراتيجية جديدة تتبعها المملكة العربية السعودية لحل المشكلات التي تواجه المنطقة كالأزمة في مصر وسورية، وغيرها من المشكلات، من خلال التحاور مع القوى الفاعلة الأخرى على الساحة الدولية كروسيا والصين. يبدو أن الدورين التركي والإيراني تجاه أحداث مصر لم يكونا بناءين، خصوصاً التركي، الذي بدأ يهاجم المؤسسة العسكرية والقوى السياسية التي قادت التغيير، ما جعل الحكومة المصرية تستدعي السفير التركي، وتسلمه احتجاجها على تصريحات المسؤولين الأتراك، لكن من تابع العلاقة السابقة بين الحكومة المصرية السابقة وحكومة أردوغان، وحضور الرئيس المخلوع محمد مرسي لاحتفالات حزب العدالة والتنمية التركي لا يستغرب موقف الحكومة التركية، لأنها كانت قائمة على مصالح حزبية. لقد قرأت المؤسسة العسكرية في مصر التوازن الدولي الجديد بدقة وحذاقة، إذ إن هناك قطبية جديدة تتمثل في دول مجموعة البريكس التي تتمتع بقوة سياسية واقتصادية كبيرة، إذ ترى مجلة إيكونوميست البريطانية أن دول مجموعة بريكس إذا ما تخلت عن سدس احتياطيها يمكنها تأسيس صندوق بحجم صندوق النقد الدولي، إضافة إلى القوة السياسية التي تملكها هذه المجموعة في المؤسسات الدولية كمجلس الأمن الدولي، مدعومة بقوة عسكرية صاعدة وطامحة، لذلك بدأت الرسائل من هذه الدول باتجاه مصر لدعمها في المجالات كافة في مقابل الضغوط الغربية، طامحة هذه الدول إلى استعادة موقعها في مصر والقارة الأفريقية والمنطقة، ولذلك يبدو أن الدورين الروسي والصيني سوف يكونان عائقاً أمام أي تصعيد أميركي - أوروبي تجاه ما يحدث في مصر، سواء كان هذا التصعيد سياسياً أو اقتصادياً أو عسكرياً، فمجلس الأمن الدولي وغيره من المؤسسات الدولية لم تعد تحت الهيمنة الأميركية فقط. ما كان يجب أن تصل الأمور في مصر إلى هذه النقطة، لكن غياب النضج السياسي، وقصر عمر التجربة الديموقراطية ساعدا في وصول الأمور إلى مرحلة التأزم، علماً بأنني لا زلت أقول إن ما يحدث في مصر هو طبيعي في عمر الثورات، والذي يأخذ أعواماً طويلة، لكن يجب تغليب العقل وانتهاج الحوار بدل العنف، والمشاركة بدل الإقصاء. * أكاديمي سعودي. [email protected]