استعمال مدفع رمضان هو أحد التقاليد والعادات الرمضانية في المحافظات المصرية. وفي الأقصر يخرج سنوياً من مخزنه مدفع عتيق يجذب عيون الناس ويلهب بداخلهم حنيناً إلى ذكريات الماضي الجميل. مدفع رمضان العتيق في الأقصر مثار حديث الناس، وقد جذب اهتمام الباحثين الذين نقبوا عن سيرته في كتب التاريخ. وفي هذا الإطار، يقول الباحث عزالعرب عبدالحميد ثابت: «المدفع من مجموعة من المدافع التي وصلت إلى مصر في عهد الخديوي إسماعيل من إنكلترا، حيث صنع عام 1871 من نوع كروب، نسبة إلى مصانع كروب التي كانت تنتجه في ذلك الوقت وكان يستخدم في حروب القرن التاسع عشر». ويضيف أن جنوداً كانوا في عهد الخديوي إسماعيل يجربون أحد تلك المدافع في شهر رمضان حين انطلقت قذيفة عند الغروب فأحدثت دوياً هائلاً بحيث اعتقد الناس أن الحكومة أعلنت تقليداً جديداً للإفطار على دوي المدافع. وعلمت الحاجة فاطمة بنت الخديوي بذلك فأصدرت فرماناً باستخدام هذه المدافع عند الغروب وعند الإمساك وفي الأعياد الرسمية، فارتبط ذلك المدفع باسمها فسمي «مدفع الحاجة فاطمة». وفي ليلة الرؤية يخرج موكب مهيب من أمام مركز الشرطة، يتقدمه راكبو الخيل والموسيقى، يليهم صفّان من الجنود على جانبي الطريق ثم المدفع مزداناً بالورد تجره أربعة خيول حيث يوضع في المكان المخصص له وكان هذا المكان أمام مدرسة التجارة في الأقصر، ثم تعددت بعد ذلك أماكن انطلاقاته، فتموضع خلف قسم الشرطة ومن ثم في المنطقة المطلة على معبد الأقصر. وعندما انتقلت المطافئ إلى مبناها الجديد أصبح يطلق من المنطقة المجاورة له، وكان صوته في الماضي قوياً مجلجلاً تسمعه الأقصر كلها، أما اليوم فهو يسمع أحياناً ولا يسمع في بعض الأوقات، ويرجع ذلك إلى اتساع المدينة وترامي أطرافها. ومن الطرائف التي تروى عن المدفع أنه في عام 1932، كان الطقس غائماً بشدة في الأقصر وكان الجندي المكلف إطلاقه يعد المدفع للإطلاق لكنه أطلقه قبل موعده بعشر دقائق فأفطر غالبية الصائمين. ومن الحوادث المؤسفة التي ارتبطت بالمدفع أن أحد الجنود أراد إطلاقه وخرجت الطلقة بصورة خاطئة أدت إلى بتر ذراعه، وفي رمضان 1945 أتى إلى الأقصر أحد أصدقاء الملك فاروق وأقام في فندق «ونتر بالاس» وقيل إن صوت مدفع الإمساك كان يزعجه ويوقظه من النوم، وطلب من الملك إصدار أوامره بعدم إطلاق المدفع عند الإمساك فطلب الملك من وزير الداخلية آنذاك محمود فهمي النقراشي بإصدار أوامره لمأمور الأقصر بعدم إطلاق المدفع ليلاً طوال بقاء ضيف الملك في الأقصر. ورفض المأمور تنفيذ الأمر الصادر له فعوقب ونقل من الأقصر وكان يوم وداعه مشهوداً في محطة سكك الحديد. ولم تمر أسابيع معدودة حتى اغتيل وزير الداخلية محمود فهمي النقراشي وهو متجه إلى مكتبه، كما اغتيل معه مساعده الخاص، فاعتبر الأقصريون ذلك انتقاماً إلهياً لأنه أخرس مدفع الإمساك أربعة أيام مدة بقاء ضيف الملك في الأقصر. وعلى رغم تطور وسائل التقنية الحديثة ومعرفة الناس وقت الإفطار من دون المدفع إلا أن الإفطار الرمضاني ارتبط بصوت المدفع وستظل الحاجة فاطمة (اسم المدفع) صفحة من صفحات التاريخ المطوية في غفلة الأيام. ولا تزال الإدارة العامة لشرطة الأقصر وإدارة الدفاع المدني في المدينة تحافظ على هذا المدفع، وتتولى صيانته ليكون جاهزاً للعمل سنوياً، وإطلاق قذائفه مع مواعيد السحور والإفطار والإمساك.