طغت المشاعر الإلكترونية على حياة السعوديين، وتحولت العلاقات الإنسانية من مصافحة وعناق وابتسام إلى مجرد «أيقونات» ترسل من بُعد، حاملةً تلك المشاعر في غياب تام، لحميمية اللقاء على أرض الواقع، إذ اختصرت الإرساليات السريعة عبر أجهزة الهاتف النقال وبقية الأجهزة الإلكترونية مشاوير الزيارات بين الأهل والأصدقاء بخاصة في المواسم والأعياد. هذا التحول الكبير والسريع في طريقة التواصل بين أفراد المجتمع أفرز معسكرين، أحدهما مؤيد لفكرة التواصل عبر التقنية، والآخر رافض لهذا التوجه، كونه يغير في شكل ومضمون العلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة والعائلة ثم المجتمع، ويعيب الفريق الرافض للفكرة، أنها تسبب في غياب معالم الزيارات الرمضانية بين الأسر، بعد أن كان شهر رمضان ينتظره العاملون وأصحاب المهن الذين أشغلتهم الدنيا عن الأقارب، فكانوا يخصصون رمضان للتواصل والزيارات والمشاركة في الإفطار والسحور مع أقاربهم. ويستعجب المواطن «الستيني» أبوعبدالعزيز من تقصير أحد أقاربه في زيارته لتهنئته بشهر رمضان أو التواصل معه كما اعتاد طوال الأعوام الماضية، لكن ذاك القريب كان بالفعل تقدم بتهنئته، ولكن من طريق «التقنية»، يقول أبوعبدالعزيز: «اتصلت به هاتفياً لأعاتبه، إلا أنه أخبرني عن تهنئة أرسلها إليه على حسابي في تويتر»، ويضيف: «أغلقت حساباتي في وسائط التواصل الاجتماعي، لاستمتع بصوت الأحباء والأقارب حياً أو عبر الهاتف». ويتساءل الشاب عبدالملك الفايز عن ما هو الكلام الذي سيتبادله مع أصدقائه ومعارفه وأقربائه عند لقائهم، فهم على تواصل لا ينقطع طوال اليوم عبر برامج «فيسبوك» و«تويتر» و«واتسآب» وغيرها من البرامج، يتناقلون الأخبار والأحاديث والكثير من المزاح بحسب قوله. فيما يرفض زميله خالد عبدالله التهاني الإلكترونية، ويضيف: «لا أقبل التهنئة الإلكترونية إطلاقاً، وأقل ما أقبل به من تهنئة أن يكون عبر الاتصال الصوتي، وتعمدت مع دخول شهر رمضان أن أحذف برنامج «واتسآب» وجمدت حساباتي في مواقع التواصل الاجتماعي حتى يشتاق لزيارتي من اعتادوا على التواصل معي». آراء السيدات أيضاً انشطرت إلى مؤيدة ومعارضة، إذ تقول رشا الفهد: «لم تكن لدينا في السابق هذا البرامج للتواصل، فكنا نتشوق لبعضنا، لذا كنا نخصص موسم رمضان للزيارات التي تبدأ من الإفطار حتى السحور، والآن أصبح الأمر حرجاً عندما أطلب ممن هي معي طوال اليوم في موقع تواصل اجتماعي أن أزورها، وأنا مطلعة أصلاً على أخبارها». وتشير المعلمة وفاء عبدالرحيم إلى أنهن «حبيسات أربعة جدران، والآن زاد الطين بلة، فهذه البرامج جمدت خروجنا من المنازل، ولا عذر لنا في الخروج للزيارات، كوننا نعرف أخبار الأحبة والأقارب من خلالها». ويخضع استشاري علم النفس الدكتور مسفر محمد حال التهنئة بالتراسل أو بالهاتف للموازين النفسية، بقوله: إن التواصل عبر الصوت بالهاتف هو الأقرب للقلب، وإن نبرات الصوت تحمل تعبيراً صادقاً أكثر من الكتابة، لا سيما عندما تبادر للطرف الآخر هاجس نسخ ولصق الرسالة، وهذا برهان على أن الصوت والكلمات المباشرة أقرب للإنسان، وتعتبر جزءاً من المقابلة المباشرة، وهذا جانب مهم، وإن تظاهر الكثيرون بأن الرسائل تقوم بالغرض نفسه. وأشار إلى أن ولع السعوديون بمواقع التواصل الاجتماعي، ظهر في كثير من الدراسات التي أجريت في هذا الخصوص، وقال: «لعل الدراسة الإحصائية التي رصدت أخيراً، وتناولتها وسائل الإعلام، أكدت أن 69 في المئة من السعوديين يدخلون على الإنترنت عبر أجهزة الهاتف النقال، والتي بدورها توصلهم إلى برامج التواصل الاجتماعي بأنواعها، كما وضحت أن ما يقدر بنسبة 95 في المئة من السعوديين يملكون جوالات، هي كفيلة أن تلغي حال التواصل المباشر بعد أعوام».