ما الذي يمكن أن يكتب أو يقال من جديد حول حكاية آدم وحواء؟ هذا السؤال طرحته على نفسها الممثلة الفرنسية كارين داماس التي تضيف إلى موهبتها الكوميدية رغبة ملحّة في شأن الكتابة، معترفة أنها كانت تحلم منذ فترة طويلة بتأليف نص مسرحي حول آدم وحواء، لأنها مولعة بشخصيتهما وبكون البشرية بأكملها تتحدر منهما. المشكلة تكمن في كتابة شيء مبتكر ومثير، أو على الأقل سرد الحكاية المعروفة بأسلوب مختلف وشيّق يلفت الانتباه. من أجل ذلك، بدأت داماس البحث عن آدم وحواء في الأدب العالمي إلى أن وقعت على نص من تأليف الأميركي الراحل مارك توين المشهور بروايتي «مغامرات توم سويار» و»مغامرات هاكلبيري فين». وتناول توين في النص، شخصيتي آدم وحواء على نمط فكاهي، من دون أن يغير أي شيء في مضمون الحبكة مثلما نعرفها كلنا. أعجبت داماس بفكرة تقديم قصة يعرفها العالم كله ولا تثير الضحك بالمرة، في أسلوب كوميدي يكون مضمونه السخرية من البشر بعامة ومن عيوبهم وركضهم وراء السطحيات المادية على حساب الروحانية، وذلك منذ بدء التكوين أي على أيام آدم وحواء. هكذا ترجمت داماس نص توين إلى الفرنسية، وأدخلت إليه بعض التفاصيل الطريفة التي تخصّ نمطنا المعيشي المعاصر، بدلاً من تلك التي سردها المؤلف أصلاً والتي لا شك في أنها كانت تتجه إلى معاصريه في نهاية القرن التاسع عشر. بعد الانتهاء من اختيار النص، بدأت داماس تبحث عن مخرج ماهر يوافقها الرأي وتغريه فكرة تحويل النص إلى عمل مسرحي. فاختارت نيكولا ريدينغ الذي أخرج مسرحية «عائلة أدامز» الأميركية الفكاهية والمخيفة في آن. ودفع النجاح الكبير للمسرحية التي عرضت في باريس منذ 4 سنوات، نيكولا ريدينغ إلى كتابة تكملة للمسرحية الأساسية عرضت أيضاً في باريس وعرفت رواجاً أكبر من العمل الأول، إلى درجة أن منتجين أميركيين اتصلوا به ليحصلوا منه على حقوق تقديم نصه في نيويورك. ... من الأسفل طال انتظار كارين داماس قبل أن تحصل على ردّ من ريدينغ، نظراً لانشغاله بمشاريع كثيرة. ردّه أتى متأخراً، لكنه إيجابي. لم يصعب على ريدينغ العثور على قاعة باريسية تبدي استعدادها لتقديم هذه المسرحية على خشبتها. واختار بين الإمكانات المطروحة أمامه، مسرح «ثيو» المتوسط الحجم، مؤكداً لداماس أنه من الأفضل أن يبدأ المرء من الأسفل ويصعد الدرج في ما بعد، ولو بسرعة، حين تُفتح له أبواب النجاح. أما عنوان المسرحية، فاختاره ريدينغ ليكون بسيطاً وواضحاً... «آدم وحواء». وأعطى دور حواء إلى كارين داماس شخصياً، واختار الممثل الشاب فيليسيان كوربييه ليشاركها البطولة مؤدياً دور آدم. ويتأمل المتفرج في المشهد الافتتاحي مونولوغاً طويلاً يؤديه كوربييه على غرار ذلك الذي يتفوه به روميو في مسرحية «روميو وجولييت»، مقدماً الدليل على موهبته الدرامية الفذة قبل أن تتدخل حواء في الأمر محوّلة الموقف إلى كوميديا بحتة. فيضحك الجمهور ويصفق طويلاً في أكثر من مشهد، ليخرج منبهراً من هذا العرض الذي سيتوقف طوال آب (أغسطس) المقبل، ليعود في الخريف على خشبة أكبر، يعلَن عنها لاحقاً.