اكتشف رواد مهرجان باريس المسرحي الربيعي أخيراً، مسرحية فكاهية استعراضية عنوانها «الرقص للمجانين» من بطولة الممثلة فلورانس فويريه وأربعة من الفنانين المسرحيين الذين اعتادوا التمثيل على الخشبة، والذين شاركوا مرات كثيرة في المهرجان سابقاً. أما فويريه فكانت حضرت المناسبة سابقاً، ولكن كمتفرجة فقط، ما يفسر سعادتها عندما علمت وهي تلعب في باريس قبل شهرين، في مسرحية درامية عنوانها «هورتنس قالت»، أن مسرحية «الرقص لدى المجانين» اختيرت لتمثل الأعمال الفكاهية الإستعراضية في المهرجان، ذلك أنها كانت عينت لتمثل وتغني وترقص فيها، ولكن من دون أن تعلم تحديداً متى وكيف وأين. وتروي الحبكة مغامرات عائلة مكونة من شلة مجانين على غرار حلقات «عائلة أدامز» الأميركية الكوميدية المعروفة والعائدة إلى زمن الخمسينات من القرن العشرين. ويقضي أفراد هذه العائلة وقتهم وسط المقابر، كما أنهم يأكلون الحشرات ويتمتعون بأسماء وألقاب مستمدة مباشرة من الأمراض المعدية. وتنتهي المسرحية في شكل إيجابي، إذ أن الكوميديا تسود، والكل يرقص ويغني في حفلة زفاف خادم العائلة الذي لا يعرف القراءة أو الكتابة أو حتى الكلام... فويريه خريجة معهد «كونسرفاتوار الموسيقى» في باريس، وعملت مدرّسة موسيقية قبل أن تتجه نحو الفن الدرامي فوق المسرح، وهي من مواليد ضاحية كلامار الباريسية، وكبرت هناك قبل أن تستقر في العاصمة وهي في العشرين من عمرها، بحثاً عن وسيلة لإقتحام الميدان الفني. وأول عمل مسرحي فعلي ادته فويريه عنوانه «الساخرات»، وهو من أبرز ما كتبه الراحل موليير بمعنى أنها مسرحية كلاسيكية معروفة وصعبة، وفيه أدت الفنانة المبتدئة شخصية خادمة في منزل عائلي، تعلم بكل الأسرار والخبايا لأنها موضع ثقة أهل البيت كلهم. وتالياً هي تعمل على كتمان حل المشاكل التي يتعرض لها كل فرد في العائلة، إلا أنها أحياناً لا تجيد التصرف، ما ينتج عنه الكثير من المواقف الفكاهية المبنية على سوء التفاهم. نجحت المسرحية وتلقت فويريه نقداً بناء في العدد الأكبر من الجرائد والمجلات التي كتبت عن المسرحية، ما أدى بها إلى العثور على أدوار أكبر وأهم لدى مسرحيات كوميدية ودرامية واستعراضية، نظراً إلى إجادتها الغناء بفضل مهنتها السابقة كمعلمة موسيقى. وبالنسبة للرقص الذي تمارسه فويريه في شكل ممتاز في مسرحية «الرقص لدى المجانين»، وهو من النوع الكلاسيكي القديم الصعب، فهي تدربت عليه في صحبة معلم متخصص، وذلك طوال ثلاثة أشهر كاملة قبل ليلة إفتتاح المسرحية، وبين الرقصات التي أدتها في إطار المسرحية، التانغو المعروفة بصعوبتها وبدقة حركاتها إلا أن فويريه أثبتت أنها فنانة على الطريقة الأميركية تجيد الدمج بين عناصر التمثيل والإستعراض من دون أي صعوبة ظاهرة. ومن الإستعراض الفكاهي المختلف كلياً عن موليير، انتقلت فويريه إلى التسجيل الصوتي، مؤدية شخصية مسموعة فقط في مسرحية «جنونكم ليس في محله» المعروضة حالياً في مسرح باريسي صغير. وها هي فلورانس فويريه جربت مهرجان باريس الربيعي كممثلة وليست فقط كمتفرجة، فأدركت معنى الحضور في وسط مكان يزخر بالأعمال التي تقدم في كل يوم جديداً، وما يتطلبه الأمر من جهود وتركيز في الأداء بهدف مواجهة المنافسة الضارية. وعن مقومات النجاح في المسرح، تقول فويريه: «أهم شيء هو الذكاء وعدم قبول أي عرض مغرٍ يأتي، وثم التمعن في قراءة النصوص قبل الموافقة عليها، والصبر، إذ أن إنتظار الدور الجيد هو شيء أفضل من التهافت على دور لا يستحق الإهتمام».