إنها ابنة نجمين، الإيطالي الراحل مارشيلو ماستروياني والفرنسية كاترين دونوف، لكنها تتبع مشواراً سينمائياً مستقلاً ناجحة في إثارة اهتمام الجمهور وأهل المهنة. وأحدث أفلام كيارا ماستروياني النازل إلى صالات السينما الأوروبية عنوانه «لا يا إبنتي لن ترقصين» من إخراج كريستوف أونوريه. بدأت كيارا ماستروياني مسيرتها السينمائية بالعمل في صحبة والدتها كاترين دونوف في فيلم عنوانه «موسمي المفضل»، ثم راحت تجرب الشيء نفسه مع والدها مارشيللو ماستروياني، في الفيلم الأميركي «جاهز للارتداء» الذي أخرجه الراحل أيضاً روبرت ألتمان، قبل أن تطير بجناحيها وتلمع في أعمال من إخراج سينمائيين ناشئين مثل فيلم «لا تنسى أنك ستموت»، ثم «كيف تشاجرت»، و «مذكرات رجل جذاب»، و «متقلبة»، و «تدمير»، و «حكاية عيد الميلاد»، و «مقاعد عامة»، والآن «لا يا ابنتي لن ترقصين» الذي تؤدي فيه شخصية أم لطفلين تسعى للعثور على وسيلة جديدة للعيش والسعادة بعد انفصالها عن زوجها وتعجز عن تحمل عائلتها التي تريد بشتى الطرق أن تساعدها في بناء حياتها الشخصية مرة جديدة. في كل هذه الأفلام تؤدي كيارا شخصيات درامية أكثر مما تتجه الى الفكاهة، وهي إذا كانت تفادت الدراما البحتة إلا أنها راحت تمثل الأدوار العاطفية القوية. ولعل أهم ما تسعى إليه الفنانة التي تبلغ السابعة والثلاثين من العمر، هو بناء شخصيتها الفنية بطريقة مستقلة تماماً عن والديها. لمناسبة نزول فيلمها الجديد «لا يا ابنتي لن ترقصين» الى الصالات في أوروبا، التقت «الحياة» كيارا في حديث حول مهنتها وشخصيتها. بدأت العمل مع والدتك ثم مع والدك، فهل كان الأمر ضرورياً لفرض شخصيتك على أهل المهنة والجمهور؟ - لا، لكن الذي حدث هو أنني تلقيت عرض اختبار في التمثيل أمام مخرج فيلم «موسمي المفضل» وهو أندريه تيشينيه الذي كان يبحث عن ممثلة شابة لأحد الأدوار، وكان قد عبر لوالدتي عن رغبته في منحي هذا الدور فردت عليه بأنها لن تتدخل في المسألة ونصحته بمعاملتي مثلما يعامل أي فنانة ناشئة، بمعنى ضرورة خضوعي لتجربة أمام الكاميرا قبل الفوز بالدور. وسمع المخرج نصيحتها وطلب مني إجراء الاختبار ثم حصلت على الدور، إلا إن الجمهور لا يصدق هذه الحكاية ويعتقد بأنني أصبحت ممثلة سينمائية لمجرد حكاية تمتعي في الأساس بواسطة قوية من أبي وأمي. ألا تعتقدين حقاً بأنك حصلت على هذا الدور لأنك ابنة بطلة الفيلم؟ - وهل تعتقد أنت بأن مخرج أي فيلم قد يسمح لنفسه بالمجازفة إلى درجة منح أحد الأدوار الكبيرة في فيلمه لممثلة رديئة لمجرد إنها ابنة فلانة أو فلان؟ لم أقل ذلك، وما أقصده هو إنك ربما سبقت غيرك من الموهوبات مثلك بفضل اسمك؟ - أنا لم أقرر التمتع بوالدين مشهورين ولكن هذا ما دبره لي القدر، وكوني كبرت في وسط جو سينمائي جعلني أقع في غرام مهنة التمثيل وأرغب في ممارستها، وثم تعلمتها في مدرسة للدراما مثل أي ممثلة ثانية بصرف النظر عن قدرة والدي على فتح الأبواب أمامي. وأشكر السماء على كون أبي وأمي لم يسهلا علي الموضوع، بل أنهم قضوا ساعات وساعات في تحذيري من مطبات مهنة السينما ونتائجها السلبية على الفنانين الذين ينجحون فجأة ثم يختفون بسرعة البرق على رغم تمتعهم بموهبة جيدة. وأعتقد بأنني أقنعتهما في ما بعد بجدية نيتي في اقتحام عالم الفن وتحمل سلبياته. وبالنسبة الى عملي إلى جوار أبي في فيلم «جاهز للارتداء» فقد حدث تقريباً ما سبق وذكرته في شأن عملي مع أمي، إذ شجع والدي المخرج روبرت ألتمان على إخضاعي للاختبار التقليدي قبل أن يمنحني الدور، وتمادى في المسألة إلى درجة تهديده ألتمان بالانسحاب من الفيلم إذا وجدني على قائمة الممثلين من دون اختبار مسبق، معتبراً أنها أسوأ خدمة يمكن تقديمها لي. هل سألت والدتك كاترين دونوف مثلاً عن أشياء معينة أثناء عملك إلى جوارها؟ - تفاديت أن أفعل ذلك حتى لا أثير القيل والقال من قبل أفراد الفريق العامل في الفيلم. وشعرت بأن أمي كانت تراقب تصرفاتي عن بعد، ثم حدث في أكثر من مرة أنها همست في أذني نصيحة صغيرة في شأن موقف معين. وأعترف بأن وجودها ساعدني لا شعورياً في مواجهة بعض مشقات الدور. أما أبي فلم يتكلم معي على الإطلاق طوال مدة عملنا معاً، وأقصد في الاستديو طبعاً. وكيف انطلقت أمام كاميرات السينما في أفلام لا يشترك فيها أي من والديك؟ - قد يبدو كلامي غريباً ولكنني شعرت بالقلق والخوف في اليوم الأول لعملي في فيلم لم يشترك فيه أي من والدي، بعدما تمنيت هذه اللحظة لسنوات طويلة. وزال الخوف بالسرعة نفسها لظهوره فور اكتشافي مدى احترام الفريق لي شخصياً، خصوصاً كيفية تصرفه تجاهي مثلما يتصرف مع سائر ممثلات الفيلم. فلم أكن ابنة دونوف وماستروياني، بل كنت كيارا الممثلة المتكاملة والمستقلة بذاتها، وكان هذا أمراً رائعاً عشته بفرح كبير. إذا استثنينا كلاً من تيشينيه وألتمان اللذين فتحا أمامك باب السينما، من الواضح إنك تعملين أساساً مع مخرجين من جيلك، فهل هناك ما يبعد عمالقة السينما المتقدمين في العمر عنك؟ - الذين أعمل معهم هم عمالقة الغد بلا شك، فهناك فوج جديد من السينمائيين يعبر عن حياة الجيل الاجتماعي الحالي من خلال الكاميرا، ومن الطبيعي أن يختار هؤلاء ممثلين يلائمون شخصيات السيناريوات من حيث العمر، وهذا كل ما في الأمر. إنها الموجة الجديدة الحالية مثلما كانت هناك موجة «جديدة» في الستينات كانت تلجأ إلى خدمات أمي وأبي وغيرهما عندما كانا في الخامسة والعشرين أو الثلاثين من عمرهما. وما أتمناه هو استمرارية العمل على المدى الطويل والبقاء في المهنة مثل أبي وأمي إلى أطول عمر ممكن. إثارة الخيال وهل تحلمين بنجومية على مستوى تلك التي تمتع بها والدك في حياته والتي لا تزال تنعم بها والدتك؟ - لا، فالمهم هو أن أعمل وحسب، أما الشهرة فتفيد في الحصول على أدوار جيدة لذلك لا أرفضها، ولكنني في الوقت نفسه لا أسعى وراءها بطريقة محددة. وعلى العموم أعرف إن النجومية على طريقة أبي وأمي ولت أيامها، وإن الممثل اليوم يشبه رجل الشارع العادي، بينما أصبح نجوم الغناء ومشاهير الموضة في المرتبة الأولى في ما يخص إثارة مخيلة الجماهير. ربما تنعكس الأمور في المستقبل من الجديد وتعود السينما إلى مهمتها الأصلية التي هي إثارة الخيال. في مناسبة الحديث عن الموضة، أنت تعرضين بين حين وآخر موديلات المصمم جان بول غولتييه على المسرح بينما تحضر والدتك هذه العروض في الصالة. فهل تفعلين ذلك للدخول إلى عالم الموضة الذي أصبح كما تقولين يحل مكان السينما في أذهان الجماهير؟ - لا، فأنا لا أبحث عن نجومية معينة كعارضة أزياء، والذي يحدث هو ميل المبتكر غولتييه إلى الاستعانة بممثلات إلى جانب العارضات المحترفات لتقديم عروضه، وهو طلب مني المشاركة ثلاث مرات حتى الآن في تشكيلاته الموسمية، ووافقت لأنني من المعجبات بأسلوبه ولأن العملية مسلية، غير أنها تجربة جريئة أجدها أصعب من الأداء التمثيلي بما إن المتفرج يتأمل وجه العارضة وقوامها بإلحاح شديد وهي تمر أمامه فوق المسرح، وهذا نوع من التحدي بالنسبة لي. أما عن والدتي فهي تحضر عروض الأزياء التي أشارك فيها بسعادة تفوق تلك التي ألاحظها عليها حينما تراني على الشاشة، ولا تسألني عن السبب. حدثينا عن فيلمك الجديد «لا يا ابنتي لن ترقصين»؟ - أنه يروي حكاية امرأة مطلقة تتولى تربية طفليها الصغيرين وحدها وتسعى إلى إنجاز هذه المهمة على النحو الأفضل إلى أن تجد نفسها فجأة أمام مشكلة جديدة هي تدخل عائلتها في كل صغيرة وكبيرة من حياتها اليومية، وذلك طبعاً بنية فعل الخير ومساعدتها خصوصاً في العثور على رجل جديد يسعدها. ولكن الأمور تتعقد تدريجاً بدلاً من أن تتحسن، بمعنى أن العائلة الكريمة الراغبة في فعل الخير تتصرف بطريقة غير لائقة إطلاقاً متسببة في فرار الرجل الذي كان على وشك أن يغزو قلب المطلقة. والفيلم يمزج بين الدراما والعاطفة الرومانسية وهو أول عمل سينمائي غير مأسوي كلياً يخرجه كريستوف أونوريه. وأنا سعيدة بالنتيجة النهائية للفيلم وأتوقع له رواجاً كبيراً. وماذا عن الأمومة الحقيقية في حياتك اليومية؟ - أنا أسعد أم في الدنيا وأعتبر ابني ميلو وابنتي آنا أعز ما في حياتي مثل أي أم في الدنيا، أليس كذلك؟ وما هي طموحاتك الشخصية كامرأة؟ - طموحي هو النجاح في الدمج بين كل نشاطاتي في الحياة، بمعنى أنني مثل أي امرأة في العالم، وعلى الأقل في اعتقادي ومن دون أن أتحدث باسم النساء عموماً، أود أن أشعر بالسعادة العاطفية والدفء العائلي، ولكنني أظل مقتنعة بأن هذه السعادة لا يمكنها أن تتحقق إلا في ظل الاكتمال المهني والاجتماعي. أين موقعك الحالي من تحقيق هذه الطموحات؟ - لقد حققت بعضها بل أهمها على الصعيد الخاص وأقصد الأمومة. أما سائر الأشياء فهي تأتي وتروح مثل الريح. ألا تنوين خوض تجربة الكوميديا البحتة يوماً ما؟ - أنا أتمنى خوضها ولكن نظرة الغير إلي تتميز بشيء من الدراما لا أعرف سببه، وأحلم بالعثور على المخرج الذي سيجرؤ على منحي شخصية فكاهية، وأنا متأكدة من قدرتي على إدهاشه هو والجمهور.